رجاء النقاش ونجيب محفوظ - احترام متبادل وتقدير كببر
رجاء النقاش كان ناقدًا أدبيًا وصحفيًا مصريًا بارزًا، وكان له علاقة وثيقة بنجيب محفوظ، الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل في الأدب، فالعلاقة بينهما كانت مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير الكبير لموهبة نجيب محفوظ الأدبية.
علاقة أدبية وثيقة جمعت بين نجيب محفوظ ورجاء النقاش |
جاءت العلاقة المميزة والمثمرة للأدب العربي، من خلال دعم النقاش النقدي والإعلامي لـ محفوظ، وكان لهذه العلاقة دور كبير في تطوير الأدب العربي الحديث ونقله إلى العالمية.
أوائل النقاد إدراكًا بموهبة محفوظ
النقاش كان من أوائل النقاد الذين أدركوا موهبة نجيب محفوظ وأشادوا بأعماله، كما قام بنشر العديد من المقالات والدراسات النقدية التي تبرز إبداع محفوظ وتفرده في الكتابة الروائية.
رجاء النقاش أيضًا كان له دور في تقديم أعمال نجيب محفوظ إلى جمهور أوسع من خلال النقد الأدبي الذي كان يكتبه.
تُوجت هذه العلاقة بمشاركة النقاش في تحرير وتقديم العديد من الكتب والدراسات التي تتناول حياة وأعمال نجيب محفوظ، مما ساهم في تسليط الضوء على إسهاماته الأدبية وتعريف الأجيال الجديدة بعبقريته الروائية.
دور النقاش
دور رجاء النقاش في تسليط الضوء على نجيب محفوظ، يتمثل فيما يلي:
اكتشاف الموهبة المبكرة: كان رجاء النقاش من أوائل النقاد الذين اكتشفوا موهبة نجيب محفوظ في الكتابة الروائية، فقد أدرك مبكرًا قيمة أعمال محفوظ وأهميتها في تطور الأدب العربي الحديث.
النقد الأدبي: كتب رجاء النقاش العديد من المقالات والدراسات النقدية التي تناولت أعمال نجيب محفوظ بالتفصيل، وقام بتحليل روايات محفوظ، مسلطًا الضوء على القضايا الاجتماعية والفلسفية التي تناولتها، وكذلك الأساليب الأدبية التي استخدمها.
دعم محفوظ إعلاميًا: عبر عمله كناقد وصحفي، ساهم النقاش في تعريف الجمهور بأعمال نجيب محفوظ، مما ساعد في انتشارها وشهرتها.
الترشيح لنوبل: كان للنقاش دور في ترشيح محفوظ لجائزة نوبل، حيث كان من بين الداعمين والمروجين له على الصعيدين العربي والدولي.
التعاون بينهما
لم يكن التعاون بين الثنائي فقط من خلال روايات محفوظ ولكن أيضًا من خلال تحليل شخصيته ومسيرته الأدبية، وجاء التعاون المثمر بينهما كما يلي:
المقابلات الصحفية: أجرى النقاش العديد من المقابلات مع نجيب محفوظ، التي نشرت في الصحف والمجلات، هذه المقابلات لم تكن مجرد حوارات صحفية، بل كانت تحليلًا عميقًا لرؤية محفوظ الأدبية والفكرية.
الكتب والدراسات المشتركة: شارك النقاش في تحرير وتقديم كتب تناولت حياة وأعمال نجيب محفوظ، مثل كتاب "نجيب محفوظ: الصورة الكاملة".
هذه اللقاءات الصحفية وهذه الكتب والدراسات المشتركة كانت تهدف في المقام الأول إلى تقديم محفوظ للقارئ بشكل شامل.
التأثير المتبادل
تقدير متبادل: كانت العلاقة بين النقاش ومحفوظ علاقة تقدير واحترام متبادل، وكان نجيب محفوظ يقدر نقد رجاء النقاش ويراه نقدًا بناءً يساهم في تطور أعماله.
تأثير على الأدب العربي: من خلال دعم رجاء النقاش لنجيب محفوظ، ساهم في ترسيخ مكانته كواحد من أعظم الأدباء العرب في القرن العشرين، هذا الدعم النقدي والإعلامي ساهم في وصول أدب محفوظ إلى العالمية.
تأثير رجاء النقاش على مسيرة نجيب محفوظ الأدبية
التقدير النقدي: كان النقاش من النقاد الذين يتعاملون مع الأدب بعمق وفهم، وهو ما انعكس في نقده لأعمال نجيب محفوظ، فكان نقد النقاش لأعمال محفوظ لم يكن نقدًا سطحيًا، بل كان نقدًا تحليليًا يسعى لفهم العمق الفلسفي والاجتماعي في روايات محفوظ.
التشجيع على الإنتاج الأدبي: كان لرجاء النقاش دور كبير في تشجيع نجيب محفوظ على الاستمرار في الكتابة والإنتاج الأدبي، فكان دائمًا يشجع محفوظ على تقديم المزيد من الأعمال الأدبية التي تساهم في إثراء الأدب العربي.
تقديم نجيب محفوظ للقارئ العالمي: من خلال كتابات رجاء النقاش، استطاع القراء العرب والعالميون فهم وتقدير إبداع نجيب محفوظ، فـ النقد الأدبي الذي قدمه النقاش كان جسرًا يربط بين أعمال محفوظ والقراء في مختلف أنحاء العالم.
اللقاءات والحوارات - إنسان وكاتب
حوارات عميقة: أجرى النقاش العديد من الحوارات مع نجيب محفوظ، التي لم تقتصر على مناقشة أعماله الأدبية فقط، بل شملت أيضًا آرائه الفلسفية والاجتماعية والسياسية، هذه الحوارات ساهمت في تقديم صورة شاملة عن نجيب محفوظ كإنسان وكاتب.
أعمال مشتركة: قام النقاش بتأليف كتب تناولت حياة نجيب محفوظ وأعماله الأدبية. من بين هذه الكتب كتاب "نجيب محفوظ: الصورة الكاملة"، الذي يقدم تحليلًا شاملاً لحياة محفوظ وأعماله وأفكاره.
الدعم الإعلامي والثقافي
تعزيز الشهرة: ساهم النقاش في تعزيز شهرة نجيب محفوظ من خلال مقالاته النقدية وبرامجه التلفزيونية والإذاعية، فكان النقاش يستخدم كل منصة متاحة له للترويج لأعمال محفوظ وتقديمها للجمهور.
الدعم في الأوساط الأدبية: بفضل دعم رجاء النقاش، استطاع نجيب محفوظ أن يحظى بتقدير الأوساط الأدبية والنقاد، هذا الدعم ساهم في ترسيخ مكانته كأحد أعظم الأدباء في الأدب العربي الحديث.
تأثير نجيب محفوظ على رجاء النقاش
إثراء النقد الأدبي: تأثير نجيب محفوظ على رجاء النقاش كان كبيرًا، حيث أن أعمال محفوظ الغنية والمعقدة ساهمت في إثراء نقد النقاش وأعطته مادة غنية للتحليل والدراسة.
التأثير الشخصي: كانت العلاقة بين النقاش ومحفوظ علاقة صداقة واحترام متبادل، هذا التأثير الشخصي انعكس في كتابات النقاش، حيث كان يكتب عن محفوظ بحب واحترام كبيرين.
ماذا قدم رجاء النقاش عن نجيب محفوظ؟
قدم النقاش للثقافة المصرية أعمالا خالدة أصيلة وإبداعية عن نجيب محفوظ متمثلة فى عشرات من الدراسات النقدية لمختلف أعماله موجودة في بطون المجلات العامة والمتخصصة وفي الكتب التى أصدرها.
غير أن الأهم من ذلك عملان أساسيان يمثلان مصدرين من مصادر دراسة نجيب محفوظ لا غنى لمتخصص فى أدب نجيب محفوظ أن يلم بهما إلمامًا كاملًا، هما:
- العمل الأول هو إصدار عدد خاص عنه فى مجلة الهلال بتاريخ 1 فبراير 1970 عندما كان رئيسًا لتحريرها وفيه أدخلنا النقاش برفق الى عالم نجيب محفوظ الذى كان دائما يوثر الخصوصية فى حياته الشخصية.
- العمل الثاني هو كتاب (نجيب محفوظ .. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته) مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام, الطبعة الأولى 1998م
نجيب محفوظ .. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته
استخدم النقاش أسلوبًا جديدًا فى تقديم سيرة حياة نجيب محفوظ من خلال حوارات موسعة معه تتناول بالتفصيل كل حياته وأدبه في كتاب (نجيب محفوظ .. صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته) نتيجتها أن لنا كنزًا ثمينًا عن شخصية محفوظ وأدبه، فالكتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة فى حياة محفوظ إلا أحصاها، ومن هنا خرج الكتاب شاملًا ومرجعًا أساسيًا عالميًا عن محفوظ.يقول النقاش فى مقدمة الكتاب:
- "لا أظن أننى عانيت في حياتي الثقافية كلها مثلما عانيت في إعداد هذا الكتاب، وقصة هذا الكتاب تبدأ عندما عرض عليّ مركز الأهرام للترجمة والنشر فكرته فى أوائل سنة 1990م، وعندما استمعت الى الفكرة رحبت بها وتحمست لها أشد الحماس".
- "في أول أغسطس 1990 بدأت لقاءاتي مع نجيب محفوظ، كنت أطرح عليه السؤال فيجيبني بصبر شديد ورحابة صدر كاملة وتوضيح لكل استفسار من أى نوع، وكنا نلتقى في الصباح الباكر في حدود الساعة الثامنة ونواصل هذا اللقاء ما يقرب من ثلاث ساعات واستمرت هذه اللقاءات حتى أواخر 1991م، وكنت ألتقي نجيب محفوظ في هذه المواعيد أربعة أيام في الأسبوع في مقهى على بابا بميدان التحرير،"
مجمل حياة محفوظ
يقع الكتاب فى 376 صفحة تمثل 24 فصلاً هى مجمل حياة نجيب محفوظ، وتشمل مراحل الطفولة والشباب ومولده في بيت القاضي وأمه التي يصفها محفوظ بأنها كانت سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب ومع ذلك كان يعتبرها مخزنًا للثقافة الشعبية وأنها كانت تيقظه كل يوم لزيارة الحسين.
قال محفوظ عن والدته:
- "إنها كانت دائمة التردد على المتحف المصري وتحب قضاء أغلب الوقت فى حجرة الموميات ولا أعرف السبب ولا أجد التفسير لذلك، ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير مارجرجس وتأخذ المسألة على أنها نوع من البركة، ومن كثرة ترددها على الدير نشأت صداقة بينها وبين الراهبات وكن يحببنها جدًا، وذات مرة مرضت والدتي ولزمت الفراش وفوجئنا بوفد من الراهبات يزرنها فى البيت وفي ذلك اليوم حدث انقلاب فى شارع رضوان شكرى لأن الناس لم يروا مثل هذا المنظر من قبل".
- "وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين مارجرجس فى نفس الوقت تقول كلهم بركة, وتعتبرهم سلسلة واحدة، والحقيقة أني تأثرت بهذا التسامح الجميل لأن الشعب المصري لم يعرف التعصب, وهذه هى روح الإسلام الحقيقية".
- "أستطيع القول بأنني عشت طفولة سعيدة لولا بعض المنغصات مثل الكتاب والحزم وسياسة الشدة من الوالد".
وقال عن والده أنه كان صديقه فى مرحلة الجامعة وأنه كان يطلب منه دعوة أصدقائه ليصطحبنا الى نادى الموسيقى في عابدين.
مثالاً للاحترام
يصف محفوظ العلاقة بين والديه بأنها كانت مثالاً للاحترام والحب وأنها كانت خالية من الشجار وأن والدته كانت تحترم والده وكانت تقف وهو خارج من البيت أو داخل إليه وتساعده فى ارتداء ملابسه وتعتنى بطعامه وشرابه.
زيارة الريف
يحدثنا محفوظ أنه زار الريف مرة واحدة ولم يزر الصعيد أبدًا ويقول عن ذلك إنه هو السبب الحقيقى الذى جعله لا يتناول حياة الفلاح وقضاياه فى رواياته بعكس الطبقة العاملة المسحوقة في المدينة والتى تناولها كثيرا فى رواياته
الوظيفة والأدب
وحدثنا محفوظ في الكتاب عن وظيفته التى استغرقت 37 سنة وأنها أمدته بنماذج بشرية شملت العديد من كتبه وفصلاً عن دراسته الفلسفة واختياره لطريق الأدب وكيف اختار الرواية بالذات رغم أنه كان يحب الشعر ويكتبه.
فصول متتوعة
الفصول الأخرى للكتاب تحدث فيها محفوظ عن أساتذته وفصلاً آخر عن أهل الفن وآخر عن الحرافيش وشلة العباسية وفصلاً عن النساء فى حياته وفصلاً عن عالم السينما وفصلاً عن متاعبه مع السلطة وآخر عن رواية أولاد حارتنا وفصلاً عن أول جائزة تلقاها وهى جائزة قوة القلوب وثورة 1919 وثورة 1952 وزعماء مصر وذكرياته مع المظاهرات وعن الروايات التى أثارت أزمات وعن المذاهب السياسية وعن النكسة والحلم الذى هوى والتطرف الدينى والله والإنسان وأزمة الخليج والمأزق العربى وفصلاً بعنوان متفرقات، وأخيرا كان الفصل الأخير عن جريمة الاعتداء عليه يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994.
الخاتمة
إن العلاقة بين رجاء النقاش ونجيب محفوظ كانت علاقة تكاملية، حيث ساهم النقاش بدوره كناقد أدبي وصحفي في تسليط الضوء على إبداع محفوظ ومساهمته في الأدب العربي، فهذه العلاقة لم تكن مجرد فقط علاقة مهنية، بل كانت علاقة مبنية على الاحترام والتقدير المتبادل، مما أسهم في تقديم نجيب محفوظ كأحد أهم الأدباء في التاريخ الأدبي العربي.
التسميات
مقالات أدبية