كيف تعلم نجيب محفوظ كتابة السيناريو؟

نجيب محفوظ - أحد أهم الأدباء الذين تركوا بصمة كبيرة في السينما والدراما المصرية 

يُعتبر نجيب محفوظ، الكاتب الكبير الراحل، من أبرز الأدباء في تاريخ مصر والعالم العربي، حيث تجاوزت إبداعاته حدود وطنه ليصبح أديباً عالمياً بعد فوزه بجائزة نوبل، كما يُعد من أهم الأدباء الذين تركوا بصمة كبيرة في السينما والدراما المصرية، سواء من خلال الأعمال المقتبسة عن رواياته أو من خلال السيناريوهات التي شارك في كتابتها.

كيف تعلم نجيب محفوظ كتابة السيناريو ؟
كيف تعلم نجيب محفوظ كتابة السيناريو ؟

من القصص التي قد لا يعرفها الكثيرون هي قصة تعلّم نجيب محفوظ لفن كتابة السيناريو، التي بدأت مع فيلم "جعلوني مجرماً" من بطولة النجم الراحل فريد شوقي وتأليف سيد بدير. تمت الاستعانة بمحفوظ لرسم الشخصيات بفضل موهبته الفذة في إضفاء التفاصيل الدقيقة على الشخصيات، وفقاً لرواية فريد شوقي.

فريد شوقي يكشف

في حوار نادر، كشف الفنان الكبير الراحل فريد شوقي أنه اتفق مع نجيب محفوظ على أن يكون أجره 100 جنيه مقابل رسم الشخصيات في السيناريو. ولكن بعد الانتهاء من الفيلم، فوجئ شوقي بإصرار محفوظ على إعادة المبلغ، موضحاً أنه لا يستحق الأجر بل كان يجب عليه دفع أكثر لفريق العمل، لأنه استفاد منهم وتعلّم من خلالهم طريقة كتابة السيناريو عبر جلساتهم المشتركة.

فيديو .. فريد شوقي يتحدث عن نجيب محفوظ 


كيف تعلم نجيب محفوظ كتابة السيناريو؟

تعلم نجيب محفوظ كتابة السيناريو من خلال العمل المباشر في هذا المجال بالتعاون مع صناع السينما المصريين، ففي الأربعينيات من القرن العشرين، بعد أن برز كروائي، دخل عالم السينما كمساعد في كتابة السيناريوهات.ط، وكان عمله مع مخرجين مثل صلاح أبو سيف هو المفتاح لصقل مهاراته في هذا الفن.

لم يتلقى نجيب محفوظ تدريبًا أكاديميًا رسميًا في كتابة السيناريو، بل اكتسب خبرته من خلال التعاون المباشر مع كبار السينمائيين وتطوير فهمه للعلاقة بين الأدب والصورة المرئية. 

بدأ «محفوظ» بتكييف رواياته للسينما، وطور بالتدريج قدرته على كتابة السيناريوهات الأصلية، مستفيدًا من حسه الروائي في بناء الشخصيات والحبكات، مع مراعاة متطلبات السينما مثل الاختصار والتركيز على الصورة والحوار المكثف.

نجيب محفوظ من الرواية إلى الشاشة

قادت مهارة نجيب محفوظ في السرد القصصي إلى العمل في مجال كتابة السيناريو، مما جعل تجربته في هذا المجال نموذجًا رائعًا للجمع بين الأدب والسينما.

البداية والتأثير: لم يتلق نجيب محفوظ تدريبًا أكاديميًا في كتابة السيناريو، بل كانت تجربته السينمائية جزءًا من تطوره الأدبي والمهني. في أربعينيات القرن العشرين، وبعد أن حقق نجاحًا ملموسًا كرواي،.

صلاح أبو سيف: المخرج الكبير صلاح أبو سيف المعروف بتقديم الأفلام الاجتماعية الواقعية، تعاون مع محفوظ في تحويل النصوص الأدبية إلى نصوص سينمائية، مما منح محفوظ فرصة لتعلم التقنيات الخاصة بهذا الفن.

التعلم من خلال العمل: كانت تجربة نجيب محفوظ في السينما تجربة عملية إلى حد كبير، حيث اكتسب مهاراته من خلال العمل المباشر، بدأ محفوظ بمراجعة وتعديل نصوص الأفلام، ثم شارك في كتابة السيناريوهات الأصلية وتكييف الروايات الأدبية.

التعاون مع صلاح أبو سيف 

التعاون مع مخرجين مبدعين مثل أبو سيف، ساعد محفوظ على تطوير فهم عميق لعالم السينما ومتطلبات العمل الفني، ومن خلال تعامله مع النصوص السينمائية، تعلم محفوظ كيفية نقل الروايات من صفحات الكتب إلى الشاشة، مع التركيز على العناصر الأساسية التي تحتاجها السينما مثل التركيز على المشاهد البصرية، وتقديم حوارات مكثفة وفعالة، هذا النوع من الكتابة مختلف تمامًا عن كتابة الرواية التي تسمح بمساحات أكبر للتفاصيل الداخلية للشخصيات والوصف السردي.

ماذا أضاف نجيب محفوظ إلى السيناريو؟

كمبدع أدبي وروائي بارع، أضاف نجيب محفوظ بعدًا فلسفيًا وإنسانيًا إلى السيناريوهات التي عمل عليها، حيث لم يقتصر عمله على تقديم قصص ترفيهية فقط، بل عمل على إيصال رسائل إنسانية واجتماعية عميقة من خلال أفلامه، وكانت السيناريوهات التي كتبها تعكس التحديات المجتمعية في مصر، مثل الفقر، الفساد، والظلم الاجتماعي، وهي الموضوعات نفسها التي تناولها في رواياته.

أشهر أعمال السيناريو لـ نجيب محفوظ 

قدّم نجيب محفوظ للسينما مجموعة من السيناريوهات والأعمال التي أصبحت من أيقونات السينما المصرية والعربية، فكان أول سيناريو له لفيلم "مغامرات عنتر وعبلة"، رغم أن إصداره تأخر حتى عام 1948، بينما صدر فيلم "المنتقم" قبله، واستمر نجيب محفوظ في كتابة السيناريوهات حتى عام 1959، ومن أبرز أعماله في هذا المجال:


أهم محفوظ في كتابة العديد من السيناريوهات لأفلام أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية

فيلم "ريا وسكينة" 
تم إنتاج فيلم ريا وسكينه عام 1953، والذي يستند إلى قصة حقيقية تعود إلى عام 1920 حول ريا وسكينة، أشهر العصابات التي اشتهرت بخطف الفتيات وقتلهن لسرقة مصاغاتهن الذهبية، الفيلم من بطولة أنور وجدي، نجمة إبراهيم، وزوزو حمدي الحكيم، ومن إخراج صلاح أبو سيف، بينما كتب السيناريو والحوار الأديب نجيب محفوظ.

فيلم "فتوات الحسينية" 
تدور أحداث فيلم فتوات الحسينية في أحد أحياء القاهرة القديمة، حيث يتسلم الابن عصا الفتوة من والده ويتعلم منه فنون القتال بالنبوت، مما يؤهله ليصبح فتوة في منطقة الحسينية، تتصاعد الأحداث مع وقوع صراع بينه وبين الفتوة الحالي الطاغي، الذي يتنافس معه في حب فتاة واحدة، يدبر الفتوة الطاغي مؤامرة ضد الشاب، مما يؤدي إلى سجنه لعدة سنوات، في حين يسعى هو للزواج من الفتاة التي تنتظره، بعد مرور السنوات، يخرج الزوج من السجن، مما يؤدي إلى مشاجرة حاسمة بين المتنافسين على الفتونة، يتمكن الشاب من الانتصار على الطاغية وإدخاله السجن، ليعود بعدها إلى زوجته ويصبح فتوة عادلاً في الحي، الفيلم من بطولة فريد شوقي، هدى سلطان، ومحمود المليجي، وقصة وسيناريو نجيب محفوظ، من إخراج نيازي مصطفى.

فيلم "الوحش" 
فيلم الوحش من بطولة أنور وجدي، سامية جمال، محمود المليجي، وعباس فارس، وإخراج صلاح أبو سيف. كتب القصة والسيناريو والحوار الأديب نجيب محفوظ، ويحتل المركز السبعين في قائمة أفضل مئة فيلم في مئوية السينما المصرية حسب استفتاء النقاد، وتدور أحداث الفيلم حول سفاح يُعرف بالوحش في إحدى القرى الصعيدية، حيث يخشاه الجميع، بما في ذلك الشرطة، بفضل الحماية التي يوفرها له رضوان باشا الذي يستخدمه لحماية مصالحه الانتخابية والتخلص من منافسيه، ثم يتم إرسال ضابط جديد إلى القرية برفقة ابنه وزوجته، حيث يُكلف بالقبض على الوحش، وتتوالى الأحداث بعد ذلك.

فيلم "بين السما والأرض" 
عُرض فيلم بين السما والأرض عام 1959، وهو مستوحى من قصة نجيب محفوظ، وقد كتب السيناريو والحوار السيد بدير وصلاح أبو سيف بمشاركة الأديب نجيب محفوظ، ويضم الفيلم مجموعة من الممثلين مثل هند رستم، عبد السلام النابلسي، عبد المنعم إبراهيم، ومحمود المليجي، ويخرج الفيلم صلاح أبو سيف، وتدور أحداث الفيلم حول تعطل مصعد كهربائي (أسانسير) في إحدى عمارات القاهرة، مما يُعلق الركاب بين السماء والأرض، حيث تكشف كل شخصية عن حياتها وقصتها من خلال تطورات الأحداث.

فيلم "إحنا التلامذة" 
تدور أحداث فيلم احنا حول ثلاثة تلاميذ: عادل (عمر الشريف)، حسنين (شكري سرحان)، وسمير (يوسف فخر الدين)، حيث يواجه كل منهم مشكلة خاصة، فيعاني عادل من حب جارته سهام، لكن والدها يرفض زواجه منها، كما يطرده والده من المنزل، بينما يذكّره عمه، القادم من الصعيد، بأهمية الثأر ممن قتلوا والده. من جهة أخرى، ويعاني سمير من إهمال والديه بعد انفصالهما وزواجهما من آخرين، الفيلم من بطولة عمر الشريف، شكري سرحان، يوسف فخر الدين، وتحية كاريوكا، ومن إخراج عاطف سالم، كتب السيناريو نجيب محفوظ، والحوار لمحمد أبو سيف.

فيلم "الاختيار"
فيلم "الاختيار" كتبه نجيب محفوظ وأخرجه المخرج العالمي يوسف شاهين، وتدور أحداثه حول مرض الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية)، حيث تكتشف الشرطة في البداية جثة مجهولة الهوية، وتحدد لاحقًا أنها تعود لشخص يُدعى "محمود". تتشكل شكوك حول شقيقه "سيد"، الذي يُعتقد أنه القاتل، يزداد تعقيد القصة حين يظهر "سيد" مع عشيقته "بهية"، ويأخذ شكل "محمود"، بينما يظهر مع زوجته "شريفة" كشخصية "سيد". يشارك في بطولة الفيلم عزت العلايلي، هدى سلطان، محمود المليجي، يوسف وهبي، سعاد حسني، وسيف الدين شوكت.

تحديات السيناريو التي واجهها محفوظ

 رغم نجاحه الكبير في السينما، كان نجيب محفوظ يدرك الفرق الكبير بين الرواية والسيناريو، فكان عليه دائمًا التكيف مع قيود السيناريو، مثل ضرورة الاختصار والتركيز على الفعل والحوار عكس الرواية التي بإمكانه الغوص في أعماق شخصياتها، لكن السيناريو تطلب منه تقديم هذه الشخصيات بطريقة مكثفة ومباشرة.

ختاماً نجيب محفوظ لم يكن مجرد روائي عظيم، بل كان أيضًا رائدًا في كتابة السيناريو في مصر. تجربته السينمائية أضافت بُعدًا جديدًا لأعماله، وأظهرت قدرته على التأقلم مع متطلبات السينما دون التخلي عن رؤيته الأدبية العميقة، فكانت السينما بالنسبة له وسيلة أخرى للتعبير عن أفكاره وإيصال رسائله الإنسانية، مما جعله واحدًا من أبرز الأدباء الذين تركوا بصمة في عالم السينما العربية.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال