فيلم الكرنك - عمل فني ثائر بأَداء مُميز

فيلم الكرنك - الفيلم السياسي الأشهر في تاريخ السينما المصرية 

فيلم الكرنك هو فيلم سياسي مصري من إنتاج عام 1975 عن رواية بنفس الإسم للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، من إخراج علي بدرخان، وبطولة نخبة من روافد السينما المصرية.

فيلم الكرنك
فيلم الكرنك 

يعد الفيلم ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية في القرن العشرين.

ولادة الكرنك

في كتابه "أصداء السيرة الذاتية" الذي كتبه الكاتب رجاء النقاش عن قصة حياة الأديب نجيب محفوظ ، يروي محفوظ كيف ولدت فكرة "الكرنك" قائلا: 
  •  "فكرته وردت إلى ذهني وأنا أستمع إلى أصدقاء مقهى ريش وهم يقصون عليّ ما لاقوه من صنوف التعذيب أثناء فترة اعتقالهم. فقلت لنفسي لماذا لا أسجل هذه الأحداث في عمل روائي لألفت الأنظار إلى هذه القضية؟ واختمرت الفكرة في رأسي بعد أن قابلت اللواء حمزة بسيوني الذي كان مديرًا للسجن الحربي، وجلست أتأمل في ملامحه التي لا تظهر عليها علامات الخشونة والجفاء بما يتفق مع ما كان مشهورًا عنه من غلظة في التعامل، وكان وقتها قد خرج من الخدمة".

رواية الكرنك

رواية الكرنك التي كتبها محفوظ بنفس الاسم فى عام 1974 ، وتحديداً بعد نصر أكتوبر 73، تتحدث عما حدث فى مصر ، بعد ثورة يوليو، وما الذي كانت تشهده المعتقلات السياسية في ذلك التوقيت، فتحمس المنتج ممدوح الليثي للفكرة، وقرر تحويلها لفيلم سينمائى في عام 1975 ، مع المخرج على بدخان.

تصنيف الفيلم 

الفيلم مصنف بأنه فيلم سياسي، حيث يسجل اعتراض الشعب على القمع السياسي والفكري والاستبداد.

مكاناً بارزاً 

احتل الفيلم مكاناً بارزاً بقمة أفلام السينما المصرية على مدار تاريخها، منذ إصداره، وأثير حوله جدل شديد ويحمل كواليس كثيرة. 

عرض الفيلم 

عُرِّض الفيلم سينمائياً لأول مرة في 30 ديسمبر من عام 1975.

فكرة الفيلم 

يتناول الكرنك قصة مجموعة من الشباب الجامعي الذي يتم اعتقاله دون جريمة بسبب التقائهم في مقهى يسمى “الكرنك”، والذي عرف عنه مقهى تجمُّع بعض المفكرين المعارضون أحيانا لنقد الثورة، وفي المعتقل يتم تعذيبهم وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ويتم إجبار البعض منهم على العمل كجواسيس لصالح النظام وأجهزة الأمن داخل الجامعة وكتابة تقارير عن أي نشاط أو فكر معارض داخل أسوار الجامعة.

ماذا لو 

ماذا لو تم تلفيق تهم سياسية شديدة الخطورة على شباب جامعي في محاولة لتجنيدهم لصالح النظام وأجهزة الأمن .. هل يقبل الشباب المتفتح أم سيرفض؟

القصة والمعالجة السينمائية 

وسط حالة من الاستبداد السياسي والفكري والتعتيم الاعلامي الذي انتهجه نظام الحكم المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، يقوم الأمن باعتقال مجموعة من الشباب الجامعي منهم زينب دياب (سعاد حسني) وإسماعيل الشيخ (نور الشريف) وآخرون، دون جريمة، بسبب التقائهم في مقهى «الكرنك» الذي عرف عنه تجمع بعض المفكرين فيه وتعرضهم أحيانا لنقد الثورة.

في المعتقل يتم تعذيبهم واجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، ويتم اجبار البعض منهم على العمل كجواسيس لصالح النظام وأجهزة الأمن داخل الجامعة وكتابة تقارير عن أي نشاط أو فكر معارض داخل أسوار الجامعة وأيضاً يصل الأمر الي اعتقال أعضاء البرلمان منهم النائب شكري (صلاح ذو الفقار) الذي كان يحاول مساعدة إسماعيل وزينب بالقضاء علي استبداد رجل الأمن خالد صفوان (كمال الشناوي) إلى أن تم اعتقاله هو شخصيًا. 

يتسبب هذا الأسلوب في تمزق الجبهة الداخلية ويؤدي إلى هزيمة مصر في 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء مرة أخرى كما حدث في 1956 والتي تم الانسحاب منها سياسياً.

ينتهي الفيلم بقيام ثورة التصحيح في بداية عهد الرئيس أنور السادات وصدور قرار بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإذا بالضابط الكبير الذي كان يقوم بإصدار أوامر التعذيب وانتزاع الاعترافات الملفقة يدخل هو نفسه المعتقل، ثم يأتي بعد ذلك الانتصار الساحق على إسرائيل واسترداد سيناء مرة أخرى بالحرب والسلام.

الشخصيات 

يضم الكرنك أكثر من أربعين نجماً من الفنانين الكبار، ومجموعة من الشباب الذين أصبحوا نجوماً فيما بعد، ونجوم الكرنك هم:
  • سعاد حسني بدور (زينب دياب)
  • نور الشريف بدور (إسماعيل الشيخ)
  • كمال الشناوي بدور (خالد صفوان)
  • صلاح ذو الفقار في ظهور خاص بدور (شكري عضو مجلس الأمة)
  • فريد شوقي بدور (دياب أبو زينب)
  • تحية كاريوكا بدور (أم زينب)
  • عماد حمدي بدور (الكاتب طه الغريب)
  • شويكار بدور (قرنفلة)
  • محمد صبحي بدور (حلمي حمادة)
  • حسن حسني بدور (جرسون الكرنك)
  • يونس شلبي بدور (محسن)
  • مصطفى متولي بدور (زميل إسماعيل)
  • عبد العزيز مخيون بدور (من المعتقلين)
  • محمد توفيق بدور (حمادة أبو حلمي)
  • أحمد بدير بدور (من المعتقلين)
  • فاروق يوسف بدور (السيسي)
  • أسامة عباس بدور (مندوب الإسكان)
  • فايز حلاوة بدور (المخبر النذل)
  • وحيد سيف بدور (أحد زبائن الكرنك)
  • علي الشريف بدور (حسب الله)
  • محمد شوقى بدور (شاويش حارة دعبس)
  • نعيمة الصغير بدور (أم إسماعيل)

ثورة التصحيح 

تقوم ثورة التصحيح في بداية عصر الرئيس السادات، ويصدر قراراً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتنتهي بذلك أسوأ فترات مصر الأمنية.

رفض مظهر واختيار زكي 

شهدت كواليس الكرنك حالات رفض ورغبة من النجوم، فمثلاً عندما عرض الفيلم في البداية على الفنان أحمد مظهر وكان في أوج نجوميته للقيام بدور خالد صفوان في الفيلم رفض رفضاً تاماً، وقال كيف أخون رفيق دفعتي وصديقي جمال عبد الناصر زعيم الضباط الأحرار واعتذر عن الدور الذي قبله وقام به كمال الشناوي.

كما عُرِّض دور إسماعيل الذي أداه نور الشريف مسبقاً على الفنان أحمد زكي وكان في بداياته لكن قال له الإنتاج دى قسمة ونصيب وقالوا وقتها: 
  • "معقول هذا الشاب الأسود وشعره الأكرت يحب سعاد حسني في الفيلم". 
صرح أحمد زكي نفسه بهذه التصريحات فيما بعد، وأوضح أنه بأن حرمانه من التمثيل في فيلم الكرنك كان أكبر صدمة في حياته وكان دافعاً على استمراره لأنه كان يرى نفسه الأقرب إلى شخصية إسماعيل في الفيلم وكان قد حفظ الدور، وعوضته سعاد حسني باختياره أمامها في فيلم شفيقة ومتولي.

نجوم الكرنك
نجوم الكرنك

علي بدرخان 

يحكي المخرج علي بدرخان قصة إخراجه لفيلم الكرنك ويقول:
  • ذات يوماً كنت في الأهرام فوجدت أن هناك قصة لنجيب محفوظ اسمها الكرنك فهاتفته تليفونياً وطلبت شراء القصة لكنه فاجأني وقال إن ممدوح الليثي اشترى حقوقها قبل ربع ساعة، فطلبت ممدوح الليثي وطلبت منه إخراج القصة في فيلم فوافق لكني تعرضت للاعتقال لمدة أسبوعين فكانت فرصة لدراسة المعتقل وتجسيده على الشاشة في فيلم الكرنك الذي استغرق تصويره ستة أسابيع.
كما أوضح مخرج الفيلم إلى أن “الكرنك” تم التصريح بعرضه بعد “تنازل” قدمه المنتج بتغيير في أحد المشاهد الأخيرة يتضمن الإفراج عن السجناء السياسيين بأمر من عبد الناصر، فجرى التعديل بأن خرجوا بأمر من السادات، وأصبحت قضية الموسم وتناولتها الصحف ووكالات الأنباء.

رأي النقاد

رأى النقاد والجمهور عند عرض الكرنك أن نجيب محفوظ قصد بشخصية خالد صفوان في فيلم الكرنك صلاح نصر مدير المخابرات في عهد عبد الناصر الذي انتهت حياته في السجن.

السباعي يمنع عرضه

أزمة الفيلم بدأت حينما أصدر يوسف السباعى وزير الثقافة وقتها قرارا بمنعه، فذهب الليثي إلى منزل الرئيس السادات لمقابلته، وبالفعل طلب السادات بفتح استديوهات مدينة السينما في الفجر وخروج شريط الفيلم وشاهده بفيلته ووافق على العرض، وأهدى الليثي جزءا من إيرادات فيلم الكرنك إلى القوات المسلحة دعمًا لها.

جاء عرض الكرنك بعد نصر أكتوبر 1973 مع بداية حقبة الرئيس السادات في الحكم، ويحسب للسادات عرض هذا الفيلم الجريء في عهده الذى أثار عاصفة من الجدل واعتبره البعض تجميلاً لحقبته في الحكم.

انتشر في ذلك الوقت أن يوسف السباعى وكان وزير للإعلام والثقافة قد أصدر قرارا بمنع عرض الفيلم وحذف شخصية "حلمي" الطالب المثقف اليساري الذي أداه الفنان محمد صبحي من الفيلم الأمر الذي دفع منتج الفيلم ممدوح الليثي أن يستنجد بالسادات ويطلب مقابلته شخصياً.

ومن الصدف العجيبة بعد ذلك أن نظمت وزارة الثقافة عام 1977 مسابقة لأحسن فيلم وفاز فيلم الكرنك كأحسن إنتاج وأحسن سيناريو وأحسن حوار وقام الوزير يوسف السباعي بنفسه في حفل كبير بتسليم ممدوح الليثي الجائزة الأولى في الإنتاج وفي السيناريو والحوار.

صلاح نصر يستنجد بالقضاء

رفع “صلاح نصررجل المخابرات في عهد “عبد الناصر” دعوى قضائية ضد فيلم الكرنك يطالب فيها بمنع عرضه، باعتباره يتعرض له ويقدمه في صورة “خالد صفوان” الفاسد ورفضت المحكمة دعواه.

كلام الناس

تحدث عمرو الليثي في برنامجه “ كلام الناس” عن فيلم الكرنك وأوضح أن المحامي لبيب معوض محامي ممدوح الليثي في القضية كان يعتبر قضية الفيلم قضيته الشخصية فصال وجال فيها، في المقابل كان محامي "صلاح نصر " يعمل بأقصى جهده على إثبات أن شخصية خالد صفوان تعبر عن صلاح نصر، لكن رفضت القضية ولم يُصرح بمواصلة عرض الفيلم إلا بعد موافقة الرئيس السادات الذي أرسل رسالة إلى وزارة الثقافة يقول فيها:
  • "وافق السيد الرئيس محمد أنور السادات على التصريح بعرض فيلم الكرنك كاملاً وبدون حذف بدار سينما ريفولي بعد انتهاء الفيلم المعروض بها حالياً، وعلى السيد وزير الثقافة والإعلام العمل على تنفيذ ذلك".
كان رد ممدوح الليثي عند عرض الفيلم تجاريا تبرعه بإيرادات فيلم الكرنك عن شهر مايو لصالح القوات المسلحة، ورد عليه السادات برسالة شكر طالباً المزيد من إنتاج الأفلام الهادفة المعبرة عن مبادئ ثورة التصحيح.

ما الفرق بين رواية الكرنك فيلم الكرنك؟

إذا كانت الرواية تدور أحداثها من خلال ما يرويه الآخرون للكاتب بما فيها من مبالغة أو حقائق فإن الفيلم يروى الأحداث على أنها حقائق، وبالتالي فإننا أمام فيلمٍ جماعيٍّ توجد فيه شخصيات رئيسة عديدة.

ويكمن دائماً الفرق بين النص الروائي والفيلم السينمائي في الشكل الذي يُقدم فيه كل منهما القصة والأحداث، فالرواية نص أدبي يتكون من كتاب مكتوب بالنص الكتابي، يروي الكاتب الأحداث بواسطة الكلمات والجمل، تتيح الرواية فرصة للكاتب لاستكشاف عمق الشخصيات والأحداث بشكل دقيق ومفصل، وتسمح للقارئ بالانغماس في عوالم الخيال والتأملات التي يقدمها النص الروائي.

أما الفيلم هو عمل سينمائي يتمثل في مجموعة من الصور المتحركة التي تتحرك بسرعة على الشاشة، مع إضافة الصوت والموسيقى، حيث يقدم الفيلم القصة والأحداث بشكل مرئي وسمعي، مما يسمح للمشاهد بتجربة الأحداث بطريقة مختلفة تمامًا عن القراءة.

وبالتالي فإن الرواية والفيلم هما وسيلتان مختلفتان تمامًا لتقديم نفس القصة، حيث يمكن لكل منهما أن يبرز جوانب مختلفة من الحبكة ويوفر تجارب قرائية أو مشاهدة فريدة.

خاتمة

إن فيلم الكرنك كان ولازال علامة مضيئة في تاريخ السينما المصرية، وما كانت علامته الفارقة والمضيئة إلا جرأة وإقدام وشجاعة قام بها صُناعه حتى بات واحداً من قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. 


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال