كتاب حول العالم في 200 يوم لـ أنيس منصور هو أحد أبرز كتب أدب الرحلات في العصر الحديث، صدر لأول مرة عام 1963، وحقق انتشارًا واسعًا، حتى نال شهادة منظمة اليونسكو كأكثر الكتب توزيعًا في ذلك الوقت، ونال عليه الكاتب جائزة الدولة التشجيعية.. الكتاب بشكل عام رحلة فلسفية وأدبية تعكس نظرة الكاتب العميقة والساخرة إلى العالم.
![]() |
كتاب حول العالم في 200 يوم |
ماذا قال طه حسين عن الكتاب؟
حظي كتاب حول العالم في 200 يوم بإعجاب كبير من الدكتور طه حسين، الذي كتب مقالًا في صحيفة أخبار اليوم عبّر فيه عن استمتاعه الشديد بقراءته، قائلاً:- هذا كتاب ممتع حقا، تقرؤه فلا تنقص متعتك بل تزيد كلما تقدمت في قراءته، ومع أنه من الكتب الطوال جدا فميزته الكبرى هي أنك حين تقرؤه لا تحتاج إلى راحة، وإنما تود لو تستطيع أن تمضي فيه حتى تبلغ آخره في مجلس واحد، لأنك تجد فيه المتعة والراحة والسلوى وإرضاء حاجتك إلى الاستطلاع.
- ومن المحقق أن هذه الرحلة الرائعة يمكن أن تقرن إلى الرحلات العربية القديمة، من يدري لعلها أن تمتاز عنها ببعض الخصال، فصاحب الكتاب حلو الروح، خفيف الظل، بعيد أشد البعد عن التكلف والتزيد والإدلال، بما يصل إليه من الغرائب التي يسجلها في كتابه، وإنما هو يمضي في الكتابة مع اليسر والإسماح، مرسلاً نفسه على سجيتها، مطلقا لقلمه الحرية في الجد والهزل وفيما يشق وما يسهل، لا يتكلف الفصحى ولا يتعمد العامية.. وإنما كتابه مزيج معتدل منسجم من اللهجتين، وهو لا يقصد إلى أن يبهرج ولا إلى أن يغرب عليك في لفظ أو معنى، وإنما يستجيب لطبعه ويظفر برضاء الطباع السمحة التي تكره التكلف والتحذلق والإسفاف.
وكتب:
- وقد أخذت في قراءته ذات يوم فكان أشد ما أضيق به العوارض التي تعرض فتصرفك عما أنت فيه على كرهك لهذا والضجر به والإحساس الذي لا يفارقك في أثناء القراءة هو أنك مع الكاتب تشهد ما يشهد وتسمع ما يسمع وتجد ما يجد من ألم أو لذة ومن سخط أو رضا، تسافر معه وتقيم حين يقيم مع أنك لا تبرح مكانك.. وإنما هي براعة الكاتب وإسماحه يستأثران بك ويخيلان إليك أنك تلزمه في حركته وسكونه كأنك ظل له لا تفارقه.
أسلوب أنيس منصور
يُعد أسلوب منصور مزيجًا من البساطة والعمق، حيث استخدم التعبيرات الخفيفة والفكاهية لتخفيف ثقل الموضوعات الجادة، كما استخدم أيضًا أسلوبًا "تلفزيونيًا" كما وصفه النقاد، حيث يجعل القارئ يعيش الرحلة معه وكأنه يشاهد فيلمًا وثائقيًا، معتمداً على الأسلوب التلغرافي، مقدمًا المعلومة بشكل مكثف وسريع دون إسهاب ممل.جاءت فصول هذا الكتاب صورة صادقة لأفكار أنيس منصور، صادقة لمتاعبه، ومشاكله. فقد كتب هذه الفصول جالسًا مقرفصًا في سريره، هربًا من البعوض، وأحيانًا خوفًا من الأفاعي والعقارب.. لقد كتبها تحت أشجار الموز، وفي ظلال جوز الهند، وعلى منضدة استأجرها من حديقة "الدومين" في مدينة سيدني.. كما كتبها تحت مصابيح "الجيشا" في كيوتو، وسجلها وهو مريض، وسجلها وهو خائف من الطريق الطويل الذي لم يسر فيه أحد قبله.
يصف أنيس منصور تجربته التي ضمنها هذا الكتاب المثير الممتع فيقول:
- لقد كان العالم كتابًا كريمًا، عريضًا، طويلًا، غنيًّا بألفاظه ومعانيه.. كنت أقرأه بعقلي وقلبي، وأقلب صفحاته بيدي ورجلي.. وكنت أضع حقيبتي الوحيدة في مهب الطائرات والعواصف، دون أن أدّعي أنني ألممت بكل شيء، أو رأيت كل شيء، أو حتى رتبت هذا الكلام.. وإنما نشرته كما كتبته، بنفس الانطلاق والسرعة والمرح؛ فقد كان المرح والسخرية هما التعويض الوحيد الذي نالته نفسي من التعب والإرهاق والوحدة.. فقد كنت مسافرًا وحيدًا، في يدي حقيبة بها ملابس قليلة جدًّا، وكلما بليت الملابس ألقيتها واشتريت غيرها.
- ولو طلبت مني أيها القارئ أن ألقي قلمي الآن وأدور حول العالم من جديد، نفس الطريق ونفس الأمراض ونفس المخاوف فإنني لن أتردد، فليس في الدنيا أروع من أن يستمتع بقراءتها بعد ذلك كل الذين لم يسافروا وكل الذين يحلمون ببلاد بعيدة جديد
محتوى كتاب حول العالم في 200 يوم
الكتاب يوثق رحلة أنيس منصور التي استغرقت حوالي سبعة أشهر، زار خلالها العديد من البلدان، منها: اليابان، الهند، سيلان (سريلانكا حاليًا)، سنغافورة، إندونيسيا، أستراليا، هونغ كونغ، وأمريكا.يقدم منصور تجربته بأسلوب يمزج بين الفكاهة والسخرية، مع نظرة فلسفية عميقة، حيث لا يكتفي بسرد المشاهدات، بل يحلل العادات والتقاليد بأسلوب فريد.
ينقل الكاتب تفاصيل دقيقة عن الحياة اليومية في البلدان التي زارها، مستعينًا بأسلوب أدبي سلس يدمج بين العامية والفصحى، مما جعل الكتاب قريبًا من القارئ البسيط والمثقف على حد سواء.
مواضيع الكتاب وأبرز ما تناوله
1. آسيا كمحور أساسي:يعبر أنيس منصور عن إيمانه بدور آسيا كمحرك رئيسي لمستقبل العالم.. ويعتبرها مهد الحضارات الجديدة، مستعرضًا التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها تلك الدول بعد الاستقلال.
2. عادات الشعوب:
يقدم تفسيرات مثيرة لبعض العادات الغريبة، مثل احترام الهنود للأفاعي بسبب دورها في مكافحة الفئران التي تهدد محاصيلهم الزراعية.
3. الصراع بين القديم والحديث:
يتناول الكتاب التناقضات بين تقاليد الشعوب واندماجها في العصر الحديث، مشيرًا إلى تأقلم المجتمعات مع التغيرات دون التخلي عن هويتها.
ردود الفعل على الكتاب
أشاد العديد من الأدباء والنقاد بالكتاب، فبالإضافة إلى إشادة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، كان هناك وصف شديد التميز للأديب المبدع محمود تيمور، الذي قال:- هذا الكتاب هو أفضل كُتب أدب الرحلات.
الرسالة من الكتاب
كتاب حول العالم في 200 يوم ليس مجرد سرد للرحلة، بل هو تأمل فلسفي في القيم الإنسانية المشتركة، وتأكيد على أهمية التعايش وفهم الثقافات المختلفة.. يقدم الكتاب تجربة غنية يمكن لكل قارئ أن يجد فيها ما يلهمه، سواء كان محبًا للسفر أو مهتمًا بفهم العالم من منظور مختلف.أنيس منصور نفسه وصف تجربته في الكتابة، قائلًا إنه خاض الرحلة كمن يقرأ كتابًا حيًا يتفاعل معه بكل جوارحه، مسافرًا بحقيبة صغيرة في مغامرات متواصلة. كتب أجزاءً من الكتاب وهو جالس على سريره خوفًا من البعوض أو الأفاعي، وأحيانًا تحت أشجار الموز أو في ظلال جوز الهند.
النقد
ومع الإشادات الكبيرة للكتاب، لم يسلم من النقد، حيث أشار البعض إلى التكرار في فصوله.. وقد اعترف أنيس منصور بهذا الأمر في مقدمته، معتبرًا أن التكرار كان أحيانًا ضرورة أدبية.أبرز ما يميز الكتاب
يكمن تميز الكتاب في أسلوب أنيس منصور الساخر والجذاب، الذي يجمع بين الشكل المسرحي والطابع الفكاهي، مما يجعله قراءة ممتعة، وما يميز الكتاب أيضاً تناوله لقضايا مختلفة بعمق، مثل عادات الشعوب وتقاليدها، مع تحليل فلسفي للأحداث والمواقف.ختامًا، يمثل كتاب حول العالم في 200 يوم نموذجًا فريدًا لأدب الرحلات الحديث، حيث لم يقتصر على وصف الغرائب، بل تفاعل مع الحياة اليومية للناس، مما يجعله عملًا يستحق القراءة والدراسة.
![]() |
كتاب حول العالم في 200 يوم |
اقرأ أيضاً:
التسميات
نبض الكتب