وصية نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل: كيف تنبأ بمستقبل فلسطين والشرق الأوسط؟

وصية نجيب محفوظ 

وصية نجيب محفوظ .. يعد نجيب محفوظ أحد أبرز الكتاب في العالم، وكان أول عربي يفوز بجائزة نوبل في الأدب.. تميز مشروعه الأدبي بمحاكاة الواقع والتعبير عن محطات حياته، وركز في رواياته على القضايا الاجتماعية والسياسية والفلسفية، مسلطًا الضوء على هموم وأحلام الطبقة المتوسطة، وصور الحياة في الحارات الشعبية المصرية. 

وصية نجيب محفوظ
وصية نجيب محفوظ 

ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، لتصل إلى قراء من مختلف أنحاء العالم.. وفي يوم تسلمه جائزة نوبل، اختار أن يستخدم هذا المنبر العالمي ليدعو إلى حقوق الشعب الفلسطيني، فأرسل مع ابنته التي استلمت الجائزة عنه، ظرفًا مغلقًا به كلمات موجهة للعالم أجمع، وما كانت هذه الكلمات الخالدة إلا وصية نجيب محفوظ، ليظل نجمًا ساطعًا في سماء الأدب العربي والعالمي.

وُلد نجيب محفوظ في القاهرة في 11 ديسمبر 1911، حيث كانت المدينة شاهدًا على مراحله الدراسية والحياتية.. تلقى تعليمه الأكاديمي في جامعة القاهرة وحصل على ليسانس الفلسفة.

في بداية المسيرة 

كتب نجيب محفوظ في بداية مسيرته الأدبية ست روايات اجتماعية، أبرزها: 
  • «زقاق المدق».
  • «السراب»
  • «الثلاثية»
  • «القاهرة الجديدة»
  • «خان الخليلي»
  • «بداية ونهاية». 
تقلد نجيب محفوظ عدة مناصب حكومية، بما في ذلك عمله في وزارة الثقافة ومديرًا للرقابة على المصنفات الفنية، بالإضافة إلى عمله في مؤسسة السينما والإذاعة. تقاعد لاحقًا ليكرس وقته للكتابة في مؤسسة الأهرام، وكان فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 1988 نقطة تحول في تاريخ الأدب المصري.

فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل

في 13 أكتوبر 1988، أعلنت الأكاديمية السويدية منح نجيب محفوظ جائزة نوبل في الأدب، ليصبح أول كاتب مصري يحصل عليها، وهو ما أعطى دفعة كبيرة للأدب العربي.. أُعتبر محفوظ من أبرز كتاب القصة التي تتخذ من الحياة اليومية مادة لها، وأسهمت أعماله في تطوير اللغة العربية، حيث كانت موجهة للبشرية جمعاء.

وصية نجيب محفوظ بعد فوزه بنوبل

خلال حفل تسلمه جائزة نوبل في 1988، وجه نجيب محفوظ وصيته إلى الشعب الفلسطيني قائلاً:
  • «أرجو أن تتقبلوا بسعة صدر حديثي إليكم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منكم، لكن في الضفة وغزة أقوام ضائعون، رغم أنهم يعيشون فوق أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم، هبوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائي، وهو أن يكون لهم موضع مناسب يعترف لهم به، فكان جزاء هبتهم الباسلة النبيلة رجالًا ونساءً وشبابًا وأطفالًا، تكسيرًا للعظام وقتلًا بالرصاص وهدمًا للمنازل وتعذيبًا في السجون والمعتقلات، ومن حولهم مائة وخمسون مليونًا من العرب يتابعون ما يحدث بغضب وأسى، ما يهدد المنطقة بكارثة إن لم تتداركها حكمة الراغبين في السلام الشامل العادل».
كما أضافت وصية نجيب محفوظ: 
  • «كما ينشط العلماء لتطهير البيئة من التلوث الصناعي، فعلى المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي».

تحليل وصية نجيب محفوظ 

تحليل وصية نجيب محفوظ يكشف عن عمق تفكير الأديب ورؤيته الإنسانية العميقة التي تتجاوز حدود الأدب إلى قضايا الوجود والسياسة.

1. تعبيره عن معاناة الشعب الفلسطيني: في بداية وصيته، يستهل نجيب محفوظ حديثه عن الشعب الفلسطيني بذكر "أقوام ضائعون" رغم أنهم يعيشون على أرض أجدادهم.. هذا التعبير يحمل بين طياته إشارة إلى حالة التشرد والضياع التي يعاني منها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي.. يتجلى في قوله "هُبّوا يطالبون بأول مطلب حققه الإنسان البدائي"، تعبير قوي عن حق الشعب الفلسطيني في الأرض وفي الحرية، وهو حق أصيل يشترك فيه جميع البشر، وليس مجرد مطلب مستجد.

2. وصفه للعنف والظلم: يحمل النص صورة مأساوية للعنف الذي يتعرض له الفلسطينيون، حيث يصف ما يواجهونه من "تكسير للعظام وقتل بالرصاص وهدم للمنازل وتعذيب في السجون".. هذا التشخيص للواقع الفلسطيني يعكس الوجع الكبير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني آنذاك، وحتى اليوم الحالي، ويعكس أيضًا رفضه لهذا الظلم. كما أنه يضع القارئ أمام مأساة متواصلة ويحث على ضرورة العمل لتغيير هذا الواقع.

3. دعوته للمجتمع العربي والعالمي: نجيب محفوظ يوجه كلامه إلى "مائة وخمسين مليونًا من العرب"، وهم عدد سكان الوطن العربي في ذلك الوقت، داعيًا إياهم لمتابعة القضية الفلسطينية ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال والمواقف السياسية.. ومع ذلك، يشير إلى أن المنطقة مهددة بكارثة إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة من قبل "الراغبين في السلام الشامل العادل"، وهو بذلك يوضح أن الحلول السطحية غير كافية وأن الحلول العادلة والشاملة هي التي يمكن أن تضمن السلام الدائم.

4. دعوته لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي: الجزء الثاني من وصيته، الذي يقول فيه "كما ينشط العلماء لتطهير البيئة من التلوث الصناعي، فعلى المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي"، يعد رسالة قوية في ضرورة أن يتحمل المثقفون دورًا في مواجهة التحديات الأخلاقية التي تهدد المجتمع.. بهذا التصريح، ينبه محفوظ إلى أن تلوث البيئة ليس فقط في الجانب المادي أو البيئي، بل يمكن أن يمتد إلى الأخلاق والقيم الإنسانية، وفي هذا السياق، ينادي المثقفين بأن يكونوا حراسًا للقيم الإنسانية، وهو ما يعكس موقفه من ضرورة توعية المجتمعات بقضايا حقوق الإنسان والعدالة.

تُظهر وصية نجيب محفوظ التزامه العميق بالقضايا الإنسانية والسياسية الكبرى. فهو لم يكن فقط أديبًا يكتب عن المجتمع المصري، بل كان أيضًا مراقبًا عميقًا لما يجري في المنطقة والعالم.. وصيته كانت دعوة لتصحيح مسار الإنسانية والتصدي للظلم، بل كانت أيضًا رؤيته لمستقبل أفضل مبني على السلام والعدالة.

وفاة نجيب محفوظ

توفي نجيب محفوظ في القاهرة عام 2006 عن عمر يناهز 94 عامًا، بعد مسيرة أدبية حافلة.. ترك وراءه إرثًا غنيًا من الأعمال التي لا تقدر بثمن، مثبتًا من خلال كتاباته أنه كان دائمًا سباقًا لرؤية المستقبل وتعبيره عن قضايا الإنسانية.

اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال