فيلم سلامة في خير: تحفة نجيب الريحاني الخالدة في تاريخ السينما المصرية

يُعد فيلم سلامة في خير واحدًا من أبرز كلاسيكيات السينما المصرية، ومن العلامات الفارقة في مسيرة الفنان الكبير نجيب الريحاني. أُنتج الفيلم عام 1937، في زمن كانت فيه السينما المصرية لا تزال تخطو خطواتها الأولى نحو الاحتراف والتأصيل الفني


فيلم سلامة في خير
فيلم سلامة في خير

ورغم مرور ما يقارب قرنًا على إنتاجه، لا يزال هذا العمل الخالد يحتفظ بمكانة خاصة في قلوب عشّاق الفن السابع، بفضل ما يقدمه من كوميديا راقية، ورسائل إنسانية عميقة، ومستوى إنتاجي يُعد مرجعًا يُحتذى به حتى يومنا هذا.

أحد أبرز علامات السينما المصرية 

فيلم سلامة في خير من أبرز علامات السينما المصرية الكلاسيكية، إذ يحتل المركز السادس والسبعين ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية، وفقًا لاستفتاء النقاد. ويُعتبر من أبرز أعمال الفنان نجيب الريحاني، رغم شهرته الواسعة في المقام الأول كممثل مسرحي.

ويمثّل الفيلم أيضًا إحدى أولى التجارب السينمائية المصرية الخالصة، حيث أُنجزت كافة عناصره الفنية - من التصوير والمونتاج إلى الموسيقى - بأيادٍ مصرية دون أي تدخل أجنبي.

كما يُسجَّل له كونه أول تجربة إخراجية طويلة للمخرج الكبير نيازي مصطفى، الذي انطلقت به مسيرته السينمائية نحو النجومية الإخراجية.

قصة فيلم سلامة في خير

تدور أحداث فيلم سلامة في خير حول شخصية "سلامة"، ذلك الرجل البسيط الذي يشغل وظيفة متواضعة كفراش في محلات "خليل ونعسان هنداوي"؛ وظيفة هامشية لا تلفت الأنظار، ولا تحظى بأي تقدير اجتماعي، غير أن حياته تنقلب رأسًا على عقب حين يجد نفسه فجأة متورطًا في مغامرة معقّدة، إذ يُكلَّف من مديره بمهمة إيداع إيراد المحل في البنك، لكنه يفاجأ بأن البنك مغلق، مما يضعه في مأزق كبير ويثير في داخله القلق على أمانة المال التي يحملها.. أثناء بحثه عن حل، يقترح عليه أحد الأشخاص الإقامة في فندق وإيداع النقود لدى إدارة الفندق مؤقتًا، وبالفعل يستجيب للنصيحة.

داخل الفندق، تتغير مجريات الأحداث بشكل دراماتيكي، إذ يلتقي سلامة بأحد الأمراء الذين يطلبون منه القيام بدور خطير؛ أن يحل محله لبعض الوقت لحمايته من تهديدات تطال حياته.. يجد سلامة نفسه فجأة في قلب عالم جديد لم يألفه، مليء بالبذخ والمخاطر، لكنه ينجح رغم بساطته في أداء المهمة، بل ويحقق للأمير مكاسب لم تكن متوقعة.

في هذه الأثناء، تتصاعد وتيرة القلق لدى زوجة سلامة التي تحتار في غيابه المفاجئ، كما يبدأ صاحب المحل في الشك في أمره ويظن أنه هرب بالإيراد. 

وعندما يعود سلامة أخيرًا، يكتشف أن حقيبة المال قد تم استبدالها سهواً بحقيبة أخرى تحتوي على عينات من الأقمشة، ما يؤدي إلى اتهامه زورًا ومحاولة القبض عليه.. لكن الحقيقة لا تلبث أن تظهر، ويتضح حسن نيته ونزاهته.

تنتهي القصة نهاية سعيدة، حيث يمنحه الأمير مكافأة تقديرًا لأمانته وشجاعته، وكذلك يعفو عنه صاحب المحل ويكافئه هو الآخر، ليعود في النهاية إلى منزله برفقة زوجته بعد تجربة غيرت مجرى حياته.

حبكة الفيلم

على الرغم من بساطة حبكة فيلم سلامة في خير التي تدور حول رجل بسيط يجد نفسه في دوامة من المفارقات، استطاع نجيب الريحاني، بعبقريته الفريدة، أن يضفي على شخصية "سلامة" أبعادًا إنسانية عميقة، تمزج ببراعة بين الكوميديا والتراجيديا. فكانت شخصية سلامة مثالًا للإنسان العادي الذي يُلقى به فجأة في عالم الكبار والسلطة والمخاطر، لكنه يواجه كل ذلك بعفويته وصدق نواياه.. هذه اللمسة الإنسانية التي زرعها الريحاني في الشخصية، جعلت من "سلامة" رمزًا للطيبة والبراءة، وشخصية خالدة في ذاكرة السينما العربية، لا تُنسى مهما طال الزمن.

تيمة فيلم سلامة في خير

تتمحور تيمة فيلم سلامة في خير حول الأمانة والانتصار الأخلاقي للإنسان البسيط، إذ يُجسّد البطل صورة المواطن الشريف الذي يواجه سلسلة من الأزمات والمواقف المعقدة التي تفوق إمكاناته، لكنه يواجهها بنزاهة فطرية وحسن نية، ما يكسبه احترام من حوله ويضعه في موضع تقدير في نهاية المطاف.

ويُسلّط الفيلم الضوء على الصراع بين المظاهر الاجتماعية والحقيقة الجوهرية للإنسان، حيث يجد "سلامة" نفسه في عالم يختلف كليًا عن طبقته المتواضعة، لكنه يُثبت أن القيم الأصيلة لا تُقاس بالمكانة الاجتماعية أو حجم الثروة، بل تُقاس بصفاء الضمير ونُبل السلوك.

الدقة في التفاصيل

من أبرز السمات التي تميّز فيلم سلامة في خير هي درجة الاحترافية العالية في تصميم الديكورات والملابس، رغم محدودية الإمكانيات التقنية المتاحة في ثلاثينيات القرن الماضي. 

فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك محلات حقيقية تُدعى "خليل ونعسان هنداوي"، لكن المخرج المبدع نيازي مصطفى لجأ إلى حيلة ذكية، حيث استخدم واجهة محلات "سمعان صيدناوي" الشهيرة، وحرص على تغيير اللافتة لتتناسب مع اسم المحلات في سياق الفيلم.

ولم يقتصر الأمر على اللافتة فحسب، بل تم تنفيذ اسم المحل بخط لاتيني دقيق (HINDAWI) على الواجهة، كما صُممت خصيصًا قطعة نحاسية تحمل الاسم نفسه، ووضعت على بدلة نجيب الريحاني، على الرغم من أن هذه التفاصيل لم تظهر على الشاشة سوى لثوانٍ معدودة! 

هذا المستوى من الإتقان الفني والاهتمام بالمصداقية البصرية يعكس روح التفاني التي اتسم بها صُنّاع الفيلم، وأسهم في منحه عمقًا واقعيًا جعله يتفوّق على كثير من الأعمال السينمائية المعاصرة، حتى بعد مرور عقود طويلة على إنتاجه.

مساهمات فنية خالدة

لم يكن نجيب الريحاني وحده هو صانع الإبداع في فيلم سلامة في خير، بل شارك في تشكيل هذا العمل الخالد نخبة من كبار رواد السينما في ذلك العصر، ممن تركوا بصمتهم الفنية الواضحة في كل تفصيلة من تفاصيل الفيلم.

فقد شارك بديع خيري في كتابة السيناريو والحوار بالتنسيق مع الريحاني، مقدمًا نصًا ذكيًا يجمع بين العمق والروح الشعبية، أما نيازي مصطفى، فقد تولّى الإخراج بمهارة لافتة، مقدّمًا عملًا متماسكًا على المستويين البصري والسردي، رغم أنها كانت تجربته الإخراجية الطويلة الأولى.

ويبرز أيضًا اسم صلاح أبو سيف، الذي عمل حينها مساعدًا للمخرج، قبل أن يصبح لاحقًا أحد أعمدة السينما الواقعية في مصر، وهو ما يمنح الفيلم بُعدًا تاريخيًا خاصًا. 

كما أبدع ولي الدين سامح في تصميم المناظر والملابس، حيث تجلّى حسّه الفني في كل مشهد، مؤكّدًا قدرة السينما المصرية على الوصول إلى مستوى رفيع من الحرفية رغم قلة الإمكانيات.

ولا يمكن الحديث عن نجاح الفيلم دون الإشارة إلى الأداء التمثيلي المتميّز لباقي طاقم العمل، الذين أضفوا على الفيلم طاقة جماعية جعلت منه أكثر من مجرد عمل فني، بل أيقونة خالدة في ذاكرة السينما العربية.

أبطال الفيلم 

  • نجيب الريحاني : (سلامة)
  • حسين رياض : (الأمير خير كندهار)
  • منسي فهمي : (جودت)
  • فؤاد شفيق : (خليل هنداوي)
  • شرفنطح : (بيومي مرجان)
  • راقية إبراهيم : (جيهان)
  • روحية خالد : (ناهد)
  • فردوس محمد : (ستوتة)
  • أمينة ذهني: (الحما)
  • مدام جربيس : (أم يني)
  • إستفان روستي : (رستم باشا)
  • حسن فايق : (فايق)
  • إدمون تويما : (الخواجة ألبير)
  • فؤاد المصري: (مدير اللوكاندة)
  • اميل عصاعيصو: (نيقولا)

أفراح

يروي نجيب الريحاني بعضًا من كواليس فيلم سلامة في خير، حيث بدأت ملامح الفكرة تتشكّل عندما تعاون مع رفيق دربه بديع خيري في وضع الخطوط الأولى للسيناريو. 

وبينما كانت الفكرة في طور التبلور، التقى الثنائي بالمخرج أحمد سالم، الذي عرض عليهما تصورًا مختلفًا نال استحسانهما على الفور. في البداية، وقع اختيارهما على اسم "أفراح" عنوانًا للفيلم، غير أن سالم اقترح اسم "سلامة في خير"، وهو الاسم الذي استقر عليه العمل لاحقًا وأصبح جزءًا من ذاكرة السينما.

ورغم تردد الريحاني في البداية بشأن التعامل مع نيازي مصطفى، بسبب تجاربه السابقة مع بعض المخرجين، فإنه لم يلبث أن اعترف بخطئه، مشيدًا بكفاءة نيازي وإخلاصه الكبير للعمل، وهو ما تجلّى بوضوح في كل مشهد من مشاهد الفيلم.

كوميديا راقية

على الرغم من محدودية الإمكانيات الإنتاجية في ذلك الوقت، يُعد سلامة في خير نموذجًا نادرًا في الإخلاص للفن واحترام عقل المشاهد، فقد جمع بين الكوميديا الراقية والنقد الاجتماعي الحاد، مصوغًا بدقة متناهية في التفاصيل. لقد شكّل الفيلم شهادة حيّة على عبقرية نجيب الريحاني، الذي لم يكن مجرد ممثل يؤدي أدوارًا، بل كان مدرسة فنية قائمة بذاتها، تمزج بين الفكاهة والتأمل، بين بساطة الأداء وعمق المعنى.

ولا تزال مشاهد فيلم سلامة في خير تُتداول بين عشّاق السينما جيلاً بعد جيل، ليس فقط لروح الدعابة التي يحملها، بل لأنه عمل متكامل يُجسّد روح عصره ويبرهن على أن الفن الصادق خالد لا يبهت مع الزمن.

من بطلة فيلم سلامة في خير؟

شاركت الفنانة راقية إبراهيم في بطولة فيلم سلامة في خير إلى جانب النجم نجيب الريحاني، وقدّمت أداءً لافتًا أسهم في اكتمال صورة الفيلم، وضم العمل أيضًا كوكبة من نجوم ذلك العصر، من بينهم: حسين رياض، منسي فهمي، فؤاد شفيق، شرفنطح، روحية خالد، فردوس محمد، وأمينة ذهني، حيث تكامل الأداء الجماعي ليمنح الفيلم نضجًا فنيًا مميزًا.

ختامًا؛ إذا كنت من محبي السينما المصرية الكلاسيكية، فإن فيلم سلامة في خير يجب أن يكون على قائمة مشاهداتك، هو ليس مجرد فيلم قديم، بل تجربة فنية وإنسانية تستحق التأمل، وتحفة لا تزال تُدرّس في فنون الإخراج والتمثيل والديكور.

فيديو .. شاهد فيلم سلامة في خير كاملاً 


اقرأ أيضاً: 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال