إلياس خوري: سيرة روائي لبناني خلّدته القضية الفلسطينية

يُعَدّ إلياس خوري واحدًا من أبرز الأصوات الأدبية والفكرية في العالم العربي المعاصر، إذ جمع خوري بين الروائي المبدع، والمثقف الملتزم، والأكاديمي العارف بعمق التاريخ والفكر، ليُشكّل عبر نصف قرن من الكتابة إسهامًا لا يُمحى في مسار الأدب العربي المقاوم.


إلياس خوري
إلياس خوري 


ولد إلياس خوري في بيروت عام 1948، في مدينة تعجّ بالتحولات الاجتماعية والسياسية، ما ترك أثرًا عميقًا في تكوينه الفكري، ومنذ بداياته الأولى، كان الأدب بالنسبة له مساحة للحرية، ومنبرًا لطرح الأسئلة الكبرى حول الوطن، المنفى، والإنسان.

النشأة والتكوين العلمي

الطفولة في بيروت

نشأ إلياس خوري في بيروت، المدينة التي كانت مركزًا ثقافيًا وسياسيًا في المنطقة، تأثر بأجوائها المليئة بالتنوع والتناقضات، وهو ما انعكس لاحقًا في كتاباته التي جمعت بين المحلية والعالمية.

دراسة التاريخ في الجامعة اللبنانية

بعد إنهائه المرحلة الثانوية، التحق بالجامعة اللبنانية حيث درس التاريخ، هذه المرحلة صقلت وعيه النقدي ومنحته أدوات البحث في الذاكرة والهوية، وهما عنصران أساسيان في معظم أعماله الروائية.

الدكتوراه من جامعة باريس

لم يتوقف إلياس خوري عند حدود التعليم المحلي، بل واصل دراسته في جامعة باريس حيث حصل على درجة الدكتوراه، وهناك انفتح على الفكر الغربي والتيارات النقدية الحديثة، ما أضاف بعدًا عالميًا إلى مشروعه الأدبي.

المسيرة الأدبية والفكرية

بدايات الكتابة والرواية

بدأ إلياس خوري الكتابة في السبعينيات، في فترة مضطربة شهدت الحرب الأهلية اللبنانية. كتب رواياته الأولى بروح متمردة، متبنيًا هموم المجتمع وقضاياه.

الاهتمام بالمسرح

لم يقتصر على الرواية، بل كتب نصوصًا مسرحية حملت بصمته الخاصة، حيث تلاقت فيها السياسة بالشعر، والتاريخ بالخيال.

الدور في الصحافة الثقافية

إلى جانب الأدب، لعب إلياس خوري دورًا مهمًا في الصحافة الثقافية اللبنانية والعربية، حيث أسس صفحات أدبية وكتب مقالات نقدية تركت أثرًا كبيرًا في القرّاء والمثقفين.

البعد الأكاديمي والتدريس الجامعي

منح التدريس الجامعي لإلياس خوري فرصة لمشاركة أفكاره مع أجيال جديدة من الطلاب.

  • في الولايات المتحدة: حاضر في جامعات مرموقة مثل نيويورك، حيث ناقش الأدب العربي من منظور نقدي معاصر.
  • في أوروبا: ترك أثرًا في الجامعات الفرنسية والألمانية، جاعلاً من الأدب العربي مادة نقاش عالمي.
  • في العالم العربي: ظلّ صوته حاضرًا في الندوات والمؤتمرات الفكرية.

الالتزام السياسي والفكري

الانخراط في حركة فتح

لم يكن الأدب عند إلياس خوري مجرد ممارسة جمالية، بل شكلًا من أشكال المقاومة، حيث انخرط في حركة فتح خلال السبعينيات، مؤمنًا بأن الكتابة لا تنفصل عن النضال الواقعي.. هذا الارتباط بالعمل السياسي عمّق تجربته الأدبية، إذ أصبح وعيه مشبعًا بالهم الفلسطيني وقضية المنفى.

الدفاع عن القضية الفلسطينية

في رواياته ومقالاته، كانت فلسطين الحاضرة الكبرى. لم يتعامل معها كقضية قومية بعيدة، بل كجرح إنساني عميق، يتصل بمفهوم العدالة والحرية، روايته باب الشمس كانت تجسيدًا ملحميًا لمعاناة الفلسطينيين في الشتات، واعتُبرت من أهم الأعمال الأدبية التي كتبت عن النكبة واللجوء.

أبرز روايات إلياس خوري

باب الشمس: الرواية الأيقونة

صدرت عام 1998 وتُرجمت إلى لغات عدة، بل حُولت لاحقًا إلى فيلم سينمائي أخرجه يسري نصر الله، الرواية عمل ملحمي استعاد فيه خوري ذاكرة النكبة الفلسطينية عبر شهادات ومرويات شفوية، لتصبح واحدة من أهم الروايات العربية في العقود الأخيرة.

عن علاقات الدائرة

تعد هذه الرواية المبكرة محطة هامة في مسيرة إلياس خوري، إذ تكشف عن ميله للتجريب الفني والبحث عن صوت أدبي خاص به، تمزج الرواية بين البنية السردية التقليدية والأساليب التجريبية، ما يمنح القارئ إحساسًا بالارتجال والانسيابية في الوقت نفسه، كما أنها تعكس اهتمام خوري بالمفارقات الإنسانية والصراعات الداخلية للشخصيات، حيث يطرح أسئلة فلسفية عن الهوية والعلاقات الاجتماعية في مجتمع متغير.

إنها نائمة

في هذا العمل، ينتقل إلياس خوري إلى مستوى أعمق من التأمل في النفس البشرية، مستكشفًا هواجس الفرد ومعاناته في مواجهة ضغوط المجتمع والسياسة، الرواية تتميز بقدرتها على تسليط الضوء على هشاشة الإنسان وضعفه أمام الأحداث الكبرى، مع لغة شعورية مكثفة تجعل القارئ يتلمس الألم والخوف والأمل المتناقضين في الوقت ذاته.

مملكة الغرباء

تستمر رحلة إلياس خوري في استكشاف مفاهيم الغربة والمنفى، حيث يرسم صورة الإنسان الذي يعيش بين الانتماء واللا انتماء في عالم مضطرب، الرواية تحمل في طياتها صدى التاريخ والمكان، مع شخصيات تجد نفسها مشتتة بين جذورها وهويتها، ما يجعلها تجربة وجودية تكشف عن صعوبة التكيف مع مجتمع لا يرحب بالآخر المختلف أو المنعزل.

أسلوبه الأدبي ومميزاته

  • الأصالة في السرد: اعتمد على لغة بسيطة وعميقة في آن، تنقل المعاناة الإنسانية دون تكلّف.
  • المزج بين التاريخ والخيال: جعل من الماضي مادة للتأمل الأدبي، لكنه أعاد صياغته بروح تخييلية.
  • الانفتاح على الهم الإنساني: لم يحصر نفسه في حدود الجغرافيا اللبنانية أو الفلسطينية، بل فتح نصوصه على التجربة الإنسانية الشاملة.

الأعمال المترجمة وانتشاره العالمي

بفضل الترجمة، وصل صوت إلياس خوري إلى قراء أوروبا وأميركا. تُرجمت رواياته إلى الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، الإسبانية وغيرها، مما جعله أحد الأصوات العربية الأكثر حضورًا في الساحة الأدبية العالمية.

إرثه الأدبي والفكري

إلياس خوري لم يكن مجرد كاتب رواية، بل مشروعًا فكريًا كاملًا. أثره يمتد إلى:

  • الرواية العربية الحديثة: حيث ساهم في تطوير تقنيات السرد وفتح آفاق جديدة.
  • الأدب المقاوم: رسّخ مكانة الأدب كأداة للمقاومة والذاكرة.
  • الوعي النقدي: أسهم في تكوين جيل من المثقفين الذين رأوا في الأدب وسيلة لفهم العالم وتغييره.

تكريم وجوائز

نال خوري عدة جوائز عربية وعالمية تقديرًا لمشروعه الأدبي والفكري، منها:

  • جائزة العويس الثقافية.
  • جوائز دولية عن ترجمات أعماله.
  • تكريم من مهرجانات أدبية عربية وعالمية.

رحيله في سبتمبر 2024

في 15 سبتمبر 2024، رحل إلياس خوري بعد صراع مع المرض وإقامة طويلة في المستشفى، شكّل خبر وفاته صدمة في الأوساط الثقافية العربية والدولية، نعاه كتّاب ومثقفون كثر، مؤكدين أن صوته سيظل حاضرًا في الذاكرة الأدبية.

تأثيره على الأجيال الجديدة

إرثه حاضر في كتابات الجيل الجديد من الروائيين العرب، كثيرون استلهموا من أعماله الجرأة على السرد، والانخراط في القضايا الإنسانية الكبرى، كما يُدرّس في العديد من الجامعات، حيث يُعتبر نموذجًا للرواية العربية الحديثة.

مكانته بين الأدباء اللبنانيين والعرب

إلى جانب روائيين لبنانيين كبار مثل حسن داوود وهدى بركات، تميز إلياس خوري بصوته المختلف، الجامع بين الفكر والسياسة والجمال الأدبي. وعلى المستوى العربي، يقف إلى جانب أسماء كبرى مثل نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف كأحد رموز الرواية العربية المعاصرة.

دروس من تجربة إلياس خوري

  • الإبداع مقاومة: الكتابة ليست هروبًا بل فعلًا ثوريًا.
  • الأدب مساحة للحرية: النصوص تحمل قدرة على فضح القمع وإعادة بناء الذاكرة.
  • العالمية من المحلية: الانطلاق من همّ محلي يمكن أن يصل إلى القارئ العالمي.

أسئلة شائعة حول إلياس خوري

1. ما هي أبرز روايات إلياس خوري؟

أشهرها باب الشمس، عن علاقات الدائرة، إنها نائمة، ومملكة الغرباء.

2. لماذا يُعتبر إلياس خوري من أبرز الروائيين العرب؟

لأنه جمع بين الإبداع الفني والالتزام السياسي والإنساني.

3. كيف ارتبط خوري بالقضية الفلسطينية؟

انخرط في حركة فتح، وجعل من فلسطين محورًا أساسيًا في أعماله الأدبية.

4. هل تُرجمت أعماله إلى لغات أخرى؟

نعم، تُرجمت إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ما منحه حضورًا عالميًا.

5. متى رحل إلياس خوري؟

في 15 سبتمبر 2024، عن عمر ناهز 76 عامًا.

رحيل إلياس خوري ترك فراغًا كبيرًا في الأدب العربي، لكنه في المقابل خلّف إرثًا خالدًا من الروايات والمقالات والمواقف، كان الكاتب الذي آمن أن الأدب ليس ترفًا بل ضرورة، لذلك سيبقى صوته حاضرًا، يلهم الأجيال القادمة بأن الكلمة قادرة على أن تكون سلاحًا وملاذًا في آن واحد.

فيديو .. إلياس خوري ومشوار أدبي كبير


اقرأ أيضاً:

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال