لم يكن ظهور لوريل وهاردي (ستان لوريل) و (أوليفر هاردي) مجرد صدفة صنعت ثنائيًّا كوميديًا ناجحًا، بل كان نتيجة تراكم خبرات ومواهب وتقاليد مسرحية وسينمائية امتدت بين بريطانيا وأمريكا، وأسست أحد أكثر الثنائيات تأثيرًا في تاريخ الضحك.
![]() |
| لوريل وهاردي |
وفي طبعة جديدة من كتاب «لوريل وهاردي» للناقد أحمد الجهيني، والصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق السينما»، تُستعاد تلك الظاهرة التي جعلت من رجلين بالغين عالمًا كاملًا من البراءة، ومن المواقف الصغيرة كوارث مضحكة تُضحك الملايين حتى اليوم.
لوريل وهاردي .. كوميديا بسيطة وفلسفة عميقة
بنى الثنائي الأسطوري لوريل وهاردي شهرتهما على ما يصفه النقاد بـ«كوميديا التهريج»؛ نوع من الكوميديا التي تُستمد قوتها من الحركة الجسدية المبالغ فيها، والمفارقات الغريبة، والمواقف التي تتحول فيها أدوات عادية مثل السلالم والمناشير إلى آلات للفوضى والضحك.
لكن السر الحقيقي وراء سحرهما لم يكن في الضربات المتتابعة أو الحوادث الصغيرة، بل في تلك الفوضى الجميلة التي تتحول أمام أعيننا إلى مواقف مألوفة لكن مضحكة، حيث ينجح الثنائي في تحويل أبسط المهام إلى كارثة كاملة، بفعل براءة لوريل وفضوله الذي لا حدود له، وغطرسة هاردي الواثقة بنفسه والتي تنهار أمام ذكاء الحياة الساخر.
هما في الحقيقة طفلان في جسدين كبيرين:
- لوريل: الفضولي البريء، الذي يضغط على كل زر مكتوب عليه «لا تضغط»، متيّمًا باكتشاف المجهول، وبمظهره الذي يفيض براءة.
- هاردي: الرجل الواثق بنفسه والمتغطرس، الذي يعتقد أنه يعرف كل شيء، لكنه دائمًا ما يقع فريسة للسخرية والظروف المضحكة التي تضعه في مواقف محرجة.
ورغم الخلافات المستمرة والاختلافات الشخصية، تبقى صداقتهما على الشاشة أقوى من كل كارثة تصنعها الكوميديا، وكأن كل مشهد مضحك يخفي في أعماقه درسًا عن الصداقة، الإنسانية، والقدرة على الضحك على أنفسنا في مواجهة الحياة.
كوميديا بلا أيديولوجيا
على عكس تشارلي شابلن، الذي حمّل أفلامه رسائل اجتماعية وسياسية خفية بين مشاهد الضحك، حافظ الثنائي لوريل وهاردي على بساطة هدفهما وصدقها: الضحك من أجل الضحك، دون مطامع فلسفية أو اجتماعية، ومن مواقف الناس اليومية العادية التي يمكن لأي شخص أن يتعرف عليها.
كان يكفيهما مجرد فكرة عامة أو موقف بسيط ليبدآ رحلة ارتجالية تتحول أمام الكاميرا إلى مشاهد مضحكة لا تُنسى، تتحرك بخفة بين الحركات المبالغ فيها، المفارقات الكوميدية، وأحيانًا الأخطاء الصغيرة التي تصنع الضحك الحقيقي.
ومن بين تلك الإفيهات الخالدة، برزت عبارتهما الشهيرة:
«هذه فوضى لطيفة أخرى أدخلتني فيها.»
هذه الكلمات تلخص فلسفتهما: الفوضى جزء من الحياة، والضحك هو الطريقة المثلى للتعامل معها.
ستان لوريل: من قاعات الموسيقى إلى عبقرية الغباء المحبوب
وُلد ستانلي جيفرسون — الذي أصبح لاحقًا ستان لوريل — عام 1890 في لانكشاير البريطانية لعائلة مسرحية، حيث كانت الطفولة محاطة بعروض مسرحية شعبية وغناء وموسيقى حية. لقد شكلت هذه البيئة المسرحية المبكرة أسلوبه الكوميدي، ومنحتنا لاحقًا قبعته الشهيرة وملامح «الأحمق اللطيف» التي أحبها الجمهور حول العالم.
في عام 1910، التحق لوريل بفرقة فريد كارنو الشهيرة، وهناك التقى للمرة الأولى خارج الشاشة بـ تشارلي شابلن، وسافر معه إلى أمريكا قبل أن تتفكك الفرقة. رغم محاولاته المتكررة لإثبات نفسه وخلق نجوميته الخاصة، لم يحالفه الحظ بنفس قوة شابلن، حتى جاء اللقاء الذي سيغير مسار حياته: لقاؤه بـ رفيقه الأوليفر هاردي، قبل أن يصبحا معًا الثنائي الأسطوري الذي كتب اسمهما في تاريخ الكوميديا.
لوريل، ببراءته وفضوله الطفولي، وهاردي، بغطرسته الواثقة، شكّلا معًا عبقرية الغباء المحبوب التي جعلت أبسط المواقف تتحول إلى لحظات كوميدية خالدة.
أوليفر هاردي: موهبة كبيرة في جسد ضخم
وُلد أوليفر هاردي في جورجيا عام 1892، وكان وزنه — منذ نعومة أظافره — مصدر سخرية وقلق مستمر، لكنه تحوّل لاحقًا إلى جزء من كاريزمته الفريدة التي ميزت شخصيته على الشاشة.
ترك هاردي المدرسة مبكرًا ليلتحق بعروض موسيقية ومسرحية، قبل أن ينتقل إلى جاكسونفيل بفلوريدا حيث بدأ العمل في السينما الصامتة. كانت البداية في أدوار صغيرة، لكنه سرعان ما أثبت موهبته وحضوره المميز، حتى أصبح بحلول عام 1921 قد ظهر في أكثر من 230 فيلمًا قصيرًا، غالبًا في أدوار «الشرير» أو «الرجل الثقيل»، تلك الشخصيات التي كانت تُبرز قدرته على المزج بين التهريج والقوة البدنية بطريقة كوميدية فريدة.
وعندما التقى لوريل لأول مرة في فيلم «الكلب المحظوظ»، لم يكن أي منهما يدرك أن هذا اللقاء البسيط سيضع حجر الأساس لتاريخ طويل من الشراكة، ليصبحا لاحقًا الثنائي الأسطوري الذي خلد اسمه في تاريخ السينما الكوميدية، حيث يتناغم الغباء البريء مع الغطرسة الواثقة لخلق لحظات لا تُنسى من الضحك.
الانفجار الحقيقي: من «المنزل في شهر العسل» إلى العالمية
بعد تجربة الفيلم القصير «الكلب المحظوظ»، عاد الثنائي للالتقاء مجددًا عام 1927 في فيلم «حساء البط»، المأخوذ عن اسكتش كوميدي قديم من أعمال والد لوريل. كان هذا الفيلم بداية تحوّل علاقتهما من مجرد زمالة عابرة إلى شراكة فنية متينة، حيث بدأت الكيمياء بينهما تتضح على الشاشة بشكل لا يُنسى.
لم يمضِ وقت طويل قبل أن تصبح شخصياتهما — الرجل الفضولي البريء لوريل، والرجل المتغطرس الواثق هاردي — تيمة ثابتة تتكرر في أفلامهما، مزيج من الغباء البريء والغطرسة المضحكة، الذي أصبح علامة مميزة للجمهور. بهذه التوليفة البسيطة، لكن القوية، بدأ الثنائي يحقق شهرة عالمية، ليصبح كل مشهد كوميدي لهما دراسة في الفوضى المنظمة، والضحك الذي ينبع من المواقف اليومية العادية.
الكساد الكبير… ونضج الثنائي
خلال سنوات الكساد العظيم (1929–1940)، قدَّم لوريل وهاردي ما مجموعه 53 فيلمًا، وكأن العالم المنهك بالفقر والبطالة كان بحاجة ماسّة إلى ضحك يذكّره ببراءة الطفولة وبساطة الحياة اليومية. كانت أفلامهما ملاذًا للجمهور، حيث يمكنهم الهروب للحظات من صعوبات الواقع والتمتع بالمواقف المضحكة التي لا تنتهي.
وتزامن دخول السينما الناطقة مع ذروة مجدهما، ما جعلهما جزءًا لا يتجزأ من تصدير الثقافة الأمريكية إلى العالم، حيث أصبحا رمزًا عالميًا للكوميديا، وصورة حيّة عن قدرة الضحك على تجاوز الأزمات. ومع كل فيلم جديد، أظهرا نضجًا فنيًا في استخدام الحركة الجسدية، الإيقاع الكوميدي، والتوقيت المثالي، محققين بذلك مزيجًا فريدًا بين البساطة والفلسفة المبطّنة في الكوميديا.
الحياة الخاصة: فوضى أخرى لا تقل كوميدية
سُئل لوريل عن هواياته، فأجاب بسخرية لا تخلو من ذكاء:
«هاردي يحب الخيول والغولف… أما أنا فقد تزوجت كل هواياتي!»
ورغم عبث العبارة وروح الدعابة التي تحملها، إلا أنها تكشف جانبًا حقيقيًا من حياته: كانت حياته العاطفية فوضى لا تقل كوميدية عن فوضى أفلامه، مليئة بالتجارب والشغف والارتباك الذي يميز شخصيته الطفولية والبرئية.
كان لوريل أيضًا عاشقًا للرسائل، وخلّف أكثر من 1500 خطاب تظهر حساسيتَه، أدبه، ورغبته المستمرة في التواصل مع الناس، حتى إنه اعترف يومًا بأنه كان يتمنى أن يمتلك متجرًا للأوراق والأقلام، مكانًا يلتقي فيه بالعالم من خلال الكتابة، وهو جانب إنساني رقيق يوازن بين الضحك الذي قدّمه على الشاشة وحياته الخاصة المليئة بالدفء والحنان.
أهمية الثنائي لوريل وهاردي اليوم
أعاد لوريل وهاردي تعريف البساطة في عالم الكوميديا. لم يحتاجا إلى حوار معقد، رموز خفية، أو خطب سياسية، بل اكتفيا بخلق ضحك خالص ينبع من تناقضات البشر اليومية، من غباء بريء يواجهه الغطرسة الواثقة، ومن المواقف البسيطة التي تتحول إلى كارثة كوميدية ساحرة.
وبعد رحيلهما، بقي إرثهما ممتدًا وحيًا، مؤثرًا في كل ثنائي كوميدي ظهر بعدهما. من أبوت وكوستيللو إلى الثنائيات الحديثة في هوليوود، يظهر أثرهما في الطريقة التي يُبنى بها التوقيت الكوميدي، الكيمياء بين الشخصيات، وفن تحويل أبسط المواقف إلى لحظات لا تُنسى من الضحك.
لوريل وهاردي لم يكونا مجرد فنانين؛ بل كانا معلمين في فن الضحك البسيط والعميق في آن واحد، وقد تركا بصمة لا تمحى في تاريخ السينما العالمية.
مقارنة نقدية سريعة: شابلن وكيـتون مقابل لوريل وهاردي
- تشارلي شابلن: اعتمد في كوميدته على تمرير موقف سياسي واجتماعي، مستخدمًا الضحك كغطاء لتوجيه انتقادات ذكية للمجتمع والظروف الاقتصادية والسياسية.
- باستر كيتون: قدّم كوميديا بصرية صامتة تعتمد على الدقة والتوقيت والدهشة، حيث يتحوّل جسده الصلب ووجهه الخالي من التعابير إلى أداة أساسية في خلق الفكاهة.
- لوريل وهاردي: قدّما ضحكًا طفوليًا وبسيطًا ينبع من العلاقة بين شخصيتين متناقضتين: براءة لوريل وغطرسة هاردي، ومن الفوضى المنظمة التي تتحول فيها أبسط المواقف إلى مواقف كوميدية ساحرة.
شابلن استخدم الكوميديا كأداة نقد اجتماعي وسياسي، وخلق شخصية «المتشرد» التي تمثل الطبقات المهمشة. كان يعتمد على الميلودراما بقدر اعتماده على الفكاهة، وصنع أفلاماً تحمل رسائل واضحة عن الفقر، السلطة، والإنسان.
كيتون كان عبقرياً بصرياً، يعتمد على البنية الهندسية للحركة وعلى صمت صارم يمنحه حضوراً أسطورياً. كل لقطة لديه محسوبة، وكل خطأ يبدو كأنه جزء من معمار دقيق.
لوريل وهاردي على العكس تماماً، ركّزا على العلاقات الإنسانية البسيطة وعلى الارتباك اليومي، ولم يسعيا إلى النقد السياسي أو الفلسفي. كانت قوتهما في العفوية والارتجال، وفي بناء الضحك من تفاعل شخصيتين متناقضتين.
وإذا كان شابلن هو شاعر السينما، وكيتون هو مهندسها، فإن لوريل وهاردي هما «الطفلان الكبيران» اللذان أعادا تعريف البراءة بوصفها فناً مستقلاً.
ومع ذلك، يبقى تأثيرهما من نوع مختلف، تأثير يقوم على العلاقة بين الشخصيتين لا على البطل الفرد، وهو ما جعلهما نموذجًا فريدًا في تاريخ الكوميديا، إذ أن الكيمياء بينهما هي المحرك الأساسي للضحك، وليس البراعة الفردية أو الرسالة الاجتماعية.
جذور لوريل
في يوم 16 يونيو (حزيران) 1890 وُلد آرثر ستانلي جيفرسون في منزل أجداده بشارع «أرجيل» بمدينة أولفيرستون بمقاطعة لانكشاير الإنجليزية، وكان والداه من عشاق المسرح، فوالده آرثر جيفرسون كان مديراً لمسرح بمدينة «بيشوب أوكلاند»، ووالدته مارغريت ميتكالف ممثلة، وكان آرثر الذي عُرف فيما بعد باسم «ستان لوريل» واحداً من خمسة أطفال لهذين الزوجين.
رسم ستان ملامحه الكوميدية النموذجية من خلال عروض «قاعة الموسيقى» بما في ذلك القبعة التي اشتُهر بها وعُرفت باسم «قبعة الرامي»، وهي مستديرة صلبة من اللباد على هيئة بيضة أو خوذة لها إفريز إلى أعلى، كما نحت ملمحاً آخر من ملامح شخصيته الفنية، وهو الملمح الخاص بشخصية الغبي الأحمق التي ظهر بها في كل أفلامه.
في عام 1910 انضم لوريل إلى فرقة «فريد كارنو» المسرحية فغيَّر اسمه إلى جيفرسون بدلاً من آرثر ستانلي جيفرسون، وكانت الفرقة تضم شاباً يدعى تشارلي شابلن، وقام لوريل بدور البديل لشابلن لبعض الوقت.
وصل شابلن ولوريل إلى الولايات المتحدة على نفس السفينة القادمة من بريطانيا مع فرقة «كارنو» التي قامت بجولة في أمريكا واستمرت عروضها حتى ربيع 1914 حتى تم حلها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بأشهر قليلة، حيث قرر كارنو السفر والقتال في فرنسا.
رغم أن أغلب محبي لوريل وهاردي يميلون إلى لوريل أكثر من هاردي فإنه لا يمكن تخيل لوريل من دون شريكه الأميركي الضخم الذي ظهر دائماً بوصفه الرفيق سريع الانفعال الغضوب الواثق من نفسه تماماً، بل المتغطرس الذي يظن أنه المسيطر على الأمور رغم أن الأحداث تثبت عكس ذلك.
بدايات هاردي
وُلد أوليفر هاردي في 18 يناير 1892 في مدينة هارلم بولاية جورجيا الأميركية، ويقال إنه كان يزن 14 رطلاً عند الولادة، وسيكون وزنه مصدر إحراج حاد له معظم حياته، لكنه في النهاية سيصبح أيضاً مصدراً للعمل المربح.
كان طفلاً صعب المراس، لذلك تم إرساله إلى كلية «يونغ هاريس» في شمال جورجيا 1905 وكان وقتها في الثالثة عشرة لكنه لم يكن لديه الاهتمام الكافي بالتعليم الرسمي. سرعان ما انضم إلى فرقة مسرحية وهرب من مدرسته الداخلية الواقعة قرب مدينة أتلانتا للغناء مع فرقة موسيقية، ومن هنا أدركت الوالدة إميلي ميل ابنها للغناء فأرسلته إلى أتلانتا لدراسة الموسيقى والصوت مع مدرس الغناء أدولف بيترسن.
اقترح عليه أحد الأصدقاء أن ينتقل إلى مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا حيث يتم إنتاج بعض الأفلام، وهو ما فعله هاردي عام 1913، حيث كان يعمل في شركة «لوبين» للإنتاج السينمائي مقابل خمسة دولارات في اليوم مع ضمان ثلاثة أيام عمل في الأسبوع. وفي المساء كان يعمل مغنياً ومشاركاً في عروض الكودكيل، «وهى عروض مسرحية أقرب إلى عروض السيرك انتشرت في الولايات المتحدة وكندا منذ 1880 حتى 1930».
في العام التالي قدم هاردي أول فيلم له، وبحلول عام 1915 كان قد شارك في خمسين فيلماً قصيراً مع استوديو «لوبين» من فئة «البكرة الواحدة» قبل أن ينتقل إلى لوس أنجليس، حيث عمل بشكل مستقل لعديد من استوديوهات هوليوود. وبحلول عام 1921 تم اللقاء الفني الأول بين ستان لوريل وأوليفر هاردي في فيلم «الكلب المحظوظ».
ظهر هاردي قبلها في أكثر من مائتين وثلاثين فيلماً قصيراً، في بعض الأحيان أُسند إليه دور البطولة ولكن في أغلب المرات قام بدور الشرير وهو دور مساعد أو دور «ثقيل الظل» وكان كما وصفه النقاد «محترفاً محنكاً ومحترماً في مجال صناعة الأفلام».
في الوقت نفسه لم يكن لدى لوريل سوى 12 فيلماً فقط، حيث كان يركز على سلسلة أفلامه الكوميدية القصيرة، محاولاً أن يصبح نجماً رائداً كما حدث مع مثله الأعلى وزميله في قاعة الموسيقى وزميل رحلته إلى أميركا تشارلي تشابلن الذي أصبح بحلول هذا الوقت أكبر نجم سينمائي في العالم.
بعد «الكلب المحظوظ» مرّت خمس سنوات قبل ظهور لوريل وهاردي معاً كثنائي كوميدي في فيلم «حساء البط» 1927 واستند إلى قصة اسكتشات بعنوان «المنزل في شهر العسل» كتبها 1905 آرثر جيفرسون، والد ستان. كان استقبال الفيلم إيجابياً إلى حد ما، وقال النقاد إنها «كوميديا مسلية مع كثير من المواقف المضحكة، والعديد منها من النوع المألوف، ولكن تم التعامل معها بذكاء».
يصنف النقاد أعمال الثنائي المرح بوصفها نوعاً من «كوميديا التهريج»
مفارقات «الكساد الكبير»
بدأ ما يعرف بـ«الكساد العظيم» مع انهيار سوق الأسهم الأميركية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1929 حتى عام 1940، وخلاله وصلت نسب البطالة إلى معدلات غير مسبوقة، وخلال تلك الفترة قدم لوريل وهاردي أكثر من 53 فيلماً ما بين قصير وطويل، والمدهش في الأمر أن العام الأول للكساد هو العام نفسه الذي تعرف فيه العالم بشكل حقيقي على الثنائي المرح، كما أسهم تصدير الأفلام الأميركية في التقليل من الآثار الاقتصادية للكساد، بخاصة مع دخول السينما الأميركية المراحل الأولى لعصر السينما الناطقة.
ذات مرة سأل أحدهم ستان لوريل عن هواياته هو وشريكه أوليفر هاردي، فردّ الكوميديان النحيف:
«كانت لدينا هوايات مختلفة، كان هاردي يحب الخيول والغولف، أما هواياتي فمعروفة وتزوجتها جميعاً»
ما يقصده لوريل أن الحب والزواج كانا هوايته المفضلة، ورغم ما في العبارة من فكاهة ومبالغة فإن حياة ستان لوريل العاطفية والعائلية كانت فوضوية مثل حبكات أفلامه.
وصف الكاتب الآيرلندي جون كونولي، لوريل بأنه «كان رومانسياً يتوق إلى الاستقرار، وأن عروضه الكوميدية غالباً ما أظهرت افتقاره إلى الثقة على الشاشة، لكن الأفلام أحادية اللون (الأبيض والأسود) لم تنقل زرقة عينيه التي أوقعت النساء في حبه بقوة».
كان ستان كذلك كاتب خطابات بارعاً، حيث احتوى أرشيف مراسلاته على أكثر من 1500 خطاب تؤكد أنه رجل أدب متخصص في أدبيات المراسلة، وغالباً ما كان يكتب الخطابات لمجرد المتعة ولأنها كانت الوسيلة الوحيدة لملء فترة تقاعده الطويلة، والتواصل مع الأصدقاء والمعجبين عن طريق البريد، ساعده على ذلك أنه كان لديه حب فضولي للأوراق والأقلام. وخلال إحدى المقابلات التي أجراها مع جون مكابي، كاتب سيرته الذاتية، كشف لوريل عن رغبته في امتلاك متجر أدوات مكتبية، واعترف بأنه راضٍ تماماً عن قضاء فترات ما بعد الظهر بأكملها في فحص أنواع الورق.
الأعمال الكاملة لـ لوريل وهاردي
| رقم | اسم الفيلم (بالإنجليزية/العربية) | سنة الإنتاج | نبذة مختصرة |
|---|---|---|---|
| 1 | The Lucky Dog / الكلب المحظوظ | 1921 | أول فيلم يمثل فيه لوريل وهاردي معًا. |
| 2 | Putting Pants on Philip / إلباس البنطال لفيليب | 1926 | أول فيلم صامت يمثلان فيه كفريق كوميدي. |
| 3 | The Finishing Touch / اللمسة النهائية | 1928 | مقاولان يكابدان العناء في بناء بيت. |
| 4 | Liberty / حرية | 1929 | أثناء هروبهما من السجن يقعان في برج تحت الإنشاء، من أفضل أفلامهما الصامتة. |
| 5 | Perfect Day / يوم مثالي | 1929 | قد يكون أول فيلم ناطق لهما. |
| 6 | Big Business / نشاط كبير | 1929 | فيلم صامت، يحاولان تسليم شجرة عيد الميلاد، ويتسببان بتدمير سيارة ومنزل جيمس فينلايسن. |
| 7 | Hog Wild / خنزير بري | 1930 | هاردي على سلم أثناء تركيب هوائي، تتحرك السيارة ويطير هاردي في الشارع. |
| 8 | Pardon Us / اسمحوا لنا | 1931 | يُقبضان بتهمة بيع الكحول خلال فترة الحظر ويودعان السجن. |
| 9 | Helpmates / المساعدون | 1931 | هاردي يطلب من لوريل مساعدته في ترتيب البيت بعد حفلة صاخبة. |
| 10 | The Music Box / صندوق الموسيقى | 1932 | إيصال بيانو عبر درجات طويلة جدًا، وفاز بجائزة أوسكار لأفضل قصة لفيلم قصير. |
| 11 | Me and My Pal / أنا وصديقي | 1933 | هاردي يستعد للزفاف ولوريل يشغله بلعبة تركيب عن حفل الزفاف. |
| 12 | Thicker Than Water / أثخن من الماء | 1935 | بعد نقل دم بينهما، يصبح البدين نحيلًا والعكس، ويقلدان بعضهما في مشهد كوميدي رائع. |
| 13 | Our Relations / أقاربنا | 1936 | كل منهما له أخ توأم، مما يؤدي لمفارقات كوميدية. |
| 14 | Way Out West / طريق للخروج من الغرب | 1937 | يبحثان عن ابنة صديق راحل ويؤديان رقصة جميلة على أغنية أمريكية، من أفضل أفلامهما. |
| 15 | Swiss Miss / الآنسة السويسرية | 1938 | تاجران يبيعان مصائد الفئران في سويسرا، هاردي يقع في حب امرأة متزوجة، وغوريللا يفاجئهما أثناء نقل بيانو. |
| 16 | The Flying Deuces / الثنائي الطائر | 1939 | يلتحقان بالقوات الفرنسية في إحدى المستعمرات. |
| 17 | A Chump at Oxford / غبي في أوكسفورد | 1940 | يحصلان على منحة للدراسة في أوكسفورد، لوريل يفقد ذاكرته ويتقمص شخصية لورد متعجرف. |
| 18 | Saps at Sea / حمقى في البحر | 1940 | هاردي مصاب بالتوتر ويستعد لرحلة بحرية، تصاحبه سلسلة مصائب مع العنزة ومجرم فار. |
| 19 | The Bullfighters / مصارعو الثيران | 1945 | آخر فيلم في مرحلة نشاطهما الممتدة 19 عامًا. |
| 20 | Atoll K / أتول كي | 1951 | مثلوه باللغة الفرنسية بعد ست سنوات من آخر فيلم لهما، استقبال النقاد سلبي، آخر فيلم لهما معًا. |
أفلام قصيرة أخرى/مشاهد منفصلة (غير مرتبطة بتواريخ دقيقة):
- رفع القبعات
- فيلة طائرة
- حزم مشاكلك
- واحدة بواحدة
- الفتاة البوهيمية
- الأغبياء
فيديو. .. شاهد فيلم الأغبياء لـ لوريل وهاردي
رحلات عالمية صنعت جمهوراً عابراً للقارات
لم يقتصر حضور لوريل وهاردي على شاشات السينما الأميركية؛ فقد قام الثنائي بجولات فنية في أوروبا وأميركا اللاتينية خلال الثلاثينات، ثم قاما بجولة واسعة في بريطانيا وأيرلندا خلال الأربعينات، في وقت كانت الحرب العالمية الثانية قد أنهكت العالم.
المدهش أن الجمهور كان يستقبل عروضهما بشغف يفوق ما يتوقعه المنتجون أنفسهم، فكانت الصالات تمتلئ عن آخرها، ويقف الناس في طوابير تمتد مئات الأمتار لرؤية الثنائي، حتى أن بعض حفلاتهما بيعت بالكامل قبل الإعلان عنها، وقد أسهمت تلك الرحلات في تحويلهما إلى ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود اللغوية، بما أن معظم كوميدياهما كانت قائمة على الحركة لا الحوار.
أزمات الإنتاج وصدامات هوليوود
رغم الشهرة الواسعة، لم تكن حياة الثنائي المهنية خالية من الصعوبات، فقد واجها خلافات متكررة مع شركة «هال روش» التي كانت تنتج أفلامهما، خصوصاً حول الميزانيات وحقوق الملكية، وكان لوريل – بعكس شخصيته البلهاء على الشاشة – عقلًا مدبّرًا شديد الدقة في إدارة أعمالهما، لا يتردد في الاعتراض على بنود العقود أو رفض سيناريو لا يراه مناسباً.
بينما كان هاردي أكثر هدوءاً وقبولاً للشروط، ما أدى أحياناً إلى توتر خلف الكواليس. ومع دخول السينما الناطقة مرحلة جديدة وظهور منافسين جدد، اشتدت الضغوط الإنتاجية، فتراجعت مساحة الحرية الإبداعية التي تمتع بها الثنائي في بداياتهما، وقد أدى ذلك في النهاية إلى انتقالهما إلى شركات أخرى، لكن دون أن يستعيدا نفس البريق الاستوديوي الذي اشتهرا به في فترة العشرينات والثلاثينات.
تحولات الكوميديا بعد رحيلهما
شكلت تجربة لوريل وهاردي مرحلة فاصلة في تاريخ الكوميديا، حيث انتقلت السينما بعدهما إلى أساليب أكثر سرعة وتحرراً من الإيقاع الهادئ الذي ميّز أعمالهما، فقد بدأت الكوميديا تعتمد تدريجياً على الحوار والذكاء اللفظي، وظهرت مدارس جديدة مثل الكوميديا الوجودية، والكوميديا السوداء، إضافة إلى كوميديا الموقف التلفزيونية التي اجتاحت خمسينات وستينات القرن الماضي.
ورغم ذلك بقي تأثيرهما واضحاً في أعمال كثير من الكوميديانات اللاحقين مثل جيري لويس وبيتر سيلرز وروان أتكينسون، إذ استلهم هؤلاء فكرة «الزوج الكوميدي غير المتجانس» ودمجوا بين الحركة والإفيه البصري بشكل يستعيد روح الثنائي دون محاكاة مباشرة.
تحليل معمق لشخصية لوريل وهاردي
تُعد شخصية لوريل واحدة من أكثر الشخصيات الكوميدية تركيباً في تاريخ السينما؛ فهو مزيج من براءة الطفل وسذاجة البالغ، يمتلك قدرة هائلة على تحويل الارتباك إلى لحظة شعرية مضحكة، "حركة عينيه، ارتعاشة شفتيه، وانحناءة رأسه" كلها كانت أدوات يتم التحكم بها بدقة تكاد تقترب من منهج التمثيل الصامت.
أما هاردي فكان يمثل «العقلانية المتغطرسة» التي تنهار مع أول مشكلة، فكانت طريقة "رفع حاجبه، أو النظرة الساخطة إلى الكاميرا"، جزءاً من قاموسه الكوميدي الخاص.
لم يكن لوريل وهاردي يراهنان على النكتة المباشرة أو الحوار المضحك، بل على بناء «الإفيه» خطوة بخطوة، بحيث يبدو الأمر في البداية مجرد تفصيلة صغيرة، ثم تتضخم تدريجياً إلى سلسلة من الكوارث الكوميدية، وكان هذا الأسلوب جزءاً من حرفيتهما، إذ كان لوريل يتعامل مع الكوميديا باعتبارها هندسة دقيقة، بينما كان هاردي يملك قدرة فطرية على اللعب بملامحه وتعبيراته، تلك النظرة الشهيرة التي يوجهها للكاميرا مباشرة وكأنه يحمّل المشاهد مسؤولية جنون لوريل.
وبهذا التوازن بين البراءة والغطرسة، استطاع الثنائي إنتاج ثنائية إنسانية كوميدية مبنية بحسابات رياضية ولكنها تبدو عفوية تماماً:
"واحد لا يفهم العالم، وآخر يظن أنه يفهمه أكثر مما ينبغي".
الثنائي وذاكرة الجمهور العالمي
رغم مرور ما يقرب من قرن على ظهور أبرز أفلامهما، لم تتراجع شعبية الثنائي، لا في الغرب ولا في العالم العربي، فقد شكّل لوريل وهاردي في الذاكرة الجمعية نموذجاً لـ«الصداقة غير المتكافئة» التي تتجاوز الفروق الشخصية، فالطفل الذي يراهما اليوم يضحك للسبب ذاته الذي جعل الجمهور يضحك قبل 80 عاماً: البساطة، وهذا ما جعل أعمالهما قابلة للعرض بلا قيود زمانية، خلافاً لكثير من الكوميديا الحديثة التي تعتمد على لغة اللحظة وثقافة الجيل.
أثرهما على الكوميديا الحديثة
لم يكن تأثير لوريل وهاردي محصوراً في جيلهما؛ فقد اعترف كثير من كبار الكوميديانات بأنهما شكّلا جزءاً أساسياً من وعيهم الفني، من جيري لويس وبيتر سيلرز إلى روّاد الكوميديا التلفزيونية اللاحقة، أخذ الجميع عن الثنائي مفهوم «المفارقة الصامتة» التي تكفي فيها نظرة أو حركة لإثارة الضحك، وحتى اليوم، يمكن العثور على صدى أسلوبهما في أعمال سينمائية معاصرة توظّف الكوميديا البدنية غير المؤذية بوصفها لغة كونية يفهمها الجميع.
الثنائي في الثقافة العربية
وعلى الرغم من أن الثنائي لم يزُر العالم العربي، فقد أصبحا جزءاً من الثقافة الشعبية فيه، حتى إن كثيراً من الجمهور العربي ما زال يستخدم تعبيرات مثل «ده لوريل وده هاردي» لوصف صديقيْن يوقعان نفسيهما دوماً في المشكلات.
كما شكّلت أعمالهما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مادة أساسية في التلفزيون العربي، فكان الأطفال ينتظرون جرعة الضحك الأسبوعية التي يقدمها الصديقان الغافلان عمّا يدور حولهما
الارتجال كعمود فقري لفنهما
رغم أن هوليوود كانت تعتمد في تلك الفترة على نصوص مكتوبة بإحكام، فإن لوريل وهاردي اتجها إلى منح الارتجال مساحة واسعة داخل المشهد، لم يكن هذا الارتجال عشوائياً كما يظن البعض، بل كان نتيجة سنوات طويلة من التجريب على المسرح وفي العروض القصيرة فكان لوريل يختبر عشرات الأفكار أمام الكاميرا قبل الاستقرار على إفيه واحد، بينما يمتلك هاردي قدرة فريدة على الاستجابة الفورية لأي حركة أو خطأ يقع أثناء التصوير، ويحوّله ببراعة إلى لحظة كوميدية, وقد قيل إن كثيراً من أجمل لقطاتهما لم تُكتب على الورق، بل وُلدت من صمتٍ مباغت أو نظرة ارتبك فيها أحدهما فحوّلت المشهد كله إلى كوميديا خالصة.
قوة التفاصيل الصغيرة
من أبرز أسرار نجاح الثنائي تلك التفاصيل البسيطة التي لا ينتبه لها المشاهد في البداية، لكنها تصبح محور الضحك في المشهد، ربطة عنق تهتز، قبعة تسقط في التوقيت الخاطئ تماماً، أو خطوة إضافية غير ضرورية يقوم بها أحدهما فتفتح الباب أمام سلسلة من الأخطاء.
كان لوريل وهاردي يدركان أن الضحك الحقيقي لا يصنعه الحدث الكبير، بل التفاصيل الصغيرة التي تبدو غير مهمة بينما هي أساس انهيار العالم من حولهما، ولهذا عُرفت أفلامهما بأنها من الأعمال التي يمكن للمشاهد إعادة مشاهدتها عدة مرات دون أن تفقد بريقها.
البُعد الإنساني خلف الضحك
رغم أن أفلامهما بدت بسيطة على السطح، فإنها كانت تحمل دائماً قدراً من النزعة الإنسانية: رجلان لا يجيدان الحياة، يحاولان النجاة من أبسط المواقف، ويتشبثان ببعضهما رغم كل الفشل والخصام.
هذه الروح هي ما جعل الجمهور يتعاطف معهما بشدة، إذ رأى الناس في الثنائي انعكاساً لصراعات الحياة اليومية: محاولاتنا المستمرة لإصلاح شيء ما، وفشلنا المتكرر، وتمسّكنا بمن حولنا رغم الخلافات، وهذا البعد الإنساني هو ما منح أعمالهما قيمة تتجاوز الضحك، لتصبح مرآة لطبيعة الإنسان الضعيفة والمرتبكة.
الكاميرا كشخصية ثالثة
اعتمد لوريل وهاردي على الكاميرا ليس كأداة تصوير فقط، بل كشريك كوميدي يتفاعلان معه، كانت نظرة هاردي الشهيرة إلى العدسة، حين يستنجد بالمشاهد أو يحمّله مسؤولية ما يحدث، شكلاً مبكراً من كسر «الحائط الرابع» الذي لم يكن مستخدماً بهذا الأسلوب في تلك الحقبة.
كذلك كان لوريل ينظر إلى الكاميرا بعينين حائرتين كلما تدهورت الأمور، وكأنه يسأل الجمهور:
«هل رأيتم ما فعلته؟»
هذه المشاركة الوجدانية جعلت الجمهور جزءاً من اللعبة، شريكاً في الفوضى، لا مجرد مشاهد سلبي.
الانتقال من السينما الصامتة إلى الناطقة
شكّل ظهور السينما الناطقة تحدياً كبيراً لكثير من نجوم الكوميديا الذين بُني نجاحهم على الأداء البدني، لكن لوريل وهاردي عبرا هذا التحوّل بسلاسة لافتة، فقد أضاف الصوت طبقة جديدة لأعمالهما: نبرة هاردي المميزة، وبكاء لوريل الطفولي، وطريقة نطقهما المتعثرة للحوار، كلها عناصر زادت من قوة الإفيهات ولم تضعفها.
وقد اعتبر النقاد أن الثنائي كان من القلائل الذين نجحوا في الجمع بين جماليات السينما الصامتة وقدرات السينما الناطقة دون التضحية بأي منهما.
النجومية خارج الشاشة
لم يكن نجاح الثنائي لوريل وهاردي مقتصراً على السينما وحدها؛ فقد تحوّلا إلى رمز ثقافي عالمي، حيث ظهرا في الإعلانات، الرسوم الكاريكاتورية، عروض الهواة، وحتى في تقليدات الأطفال في المدارس.
كما أصبحت موسيقاهما الخاصة، مثل مقطع «Dance of the Cuckoos»، جزءاً من الذاكرة السمعية للقرن العشرين، ومن اللافت أن كثيراً من المدن الأوروبية أقامت تماثيل لهما، منها تمثال شهير في مدينة أولفيرستون مسقط رأس لوريل، وهو ما يعكس عمق مكانتهما في الوجدان الشعبي.
علاقتهما خارج الشاشة
ورغم أن العلاقة بين لوريل وهاردي على الشاشة كانت قائمة على التوتر الدائم، فإن الواقع كان مختلفاً فقد جمعتهما علاقة مهنية صلبة، أساسها الثقة والاحترام، وإن لم يكونا صديقين حميمين بالمعنى التقليدي، وكان لوريل هو العقل المدبّر للفريق، يكتب ويجنح إلى التحليل، بينما هاردي شخصية اجتماعية محبّة للحياة، يفضّل تمضية الوقت في الموسيقى واللهو، ومع ذلك، لم يؤدِّ اختلاف المزاج إلى صدام، بل إلى تكامل جعل كل واحد منهما «يكتمل» بالآخر.
تجارب النجاح والفشل
عرف الثنائي لوريل وهاردي فترات ازدهار طويلة، لكنهما مرا أيضاً بمراحل صعبة خصوصاً مع تغير ذوق الجمهور في الأربعينيات والخمسينيات. ومع انتشار الكوميديا الحوارية، بدا أسلوبهما البدني أقل جاذبية للبعض، ومع ذلك ظلا وفيَّين لأسلوبهما، رافضين التحول إلى كوميديا المواقف أو الكوميديا السياسية، ومُصممين على الحفاظ على روح «الفوضى الجميلة» التي بنوا عليها مجدهما. وقد أكسبهما ذلك احتراماً كبيراً، باعتبارهما فنانين يقدمان ما يؤمنان به لا ما يطلبه السوق.
الإرث الفني... لماذا يبقى؟
يعود بقاء لوريل وهاردي حتى اليوم إلى عدة أسباب:
أولها أن الضحك لديهما ليس قائماً على الإهانة أو السخرية، بل على ضعف الإنسان نفسه، ضعف يمكن لأي مشاهد التعاطف معه،.ثانيها أن أفلامهما تقدّم «شخصيتين عالميتين»: الرجل الفضولي الطفولي، والرجل المغرور سريع الانفعال.
هاتان الشخصيتان موجودتان في كل مجتمع وثقافة، مما يجعل أعمالهما مفهومة حتى لمَن لا يعرف الإنجليزية، وثالثها أن أفلامهما كانت أعمالاً قصيرة الإيقاع، خفيفة، مشغولة بدقة كبيرة، ما جعلها مثالية للعرض المتكرر عبر الأجيال.
ختامًا؛ رغم وفاة الاثنين منذ عقود، فإن إرثهما ما زال حياً عبر منصات البث الحديثة التي أعادت تقديم أعمالهما لجيل جديد، وبدلاً من أن تبدو هذه الأفلام قديمة أو بطيئة، وجد كثير من الشباب فيها راحة من إيقاع العالم السريع وكوميديا اليوم الصاخبة، كان الضحك عند لوريل وهاردي بسيطاً، لكنه عميق في جوهره، خفيفاً لكنه يمس القلب، وربما لهذا تواصل كتبهما وأفلامهما إعادة تعريف معنى الكوميديا الخالدة.
اقرأ أيضاً:
