مي زيادة .. أبرز الكاتبات والشاعرات في العالم العربي
مي زيادة أو فريدة العصر، اسمها الحقيقي ماري إلياس زيادة، هي واحدة من أبرز الكاتبات والشاعرات في العالم العربي في القرن العشرين.
مي زيادة |
عُرِّفت مي بكتاباتها العميقة وأسلوبها الأدبي الفريد الذي جذب القراء والنقاد على حد سواء.
ولادتها ونشأتها
ولدت مي زياده في 11 فبراير 1886 في مدينة الناصرة بفلسطين لعائلة لبنانية فلسطينية، وكانت والدتها (نزهة معمر) لبنانية الأصل، بينما كان والدها إلياس زيادة من الناصرة، فتلقت مي تعليمها في مدرسة الراهبات في الناصرة ثم انتقلت إلى لبنان لمواصلة دراستها.تعليمها ومسيرتها الأدبية
بعد إتمام دراستها الثانوية، انتقلت مي إلى مصر، حيث التحقت بالجامعة الأمريكية في القاهرة ودرست الأدب والفلسفة، ثم بدأت بكتابة المقالات في الصحف والمجلات المحلية تحت أسماء مستعارة قبل أن تعتمد اسمها الأدبي مى زيادة.مي والصحافة
- أبدعت مي في مَجال الصّحافة، بعد أن انتشرت مقالاتها في الصحافة المصرية، فكانت تمضي في نِهاية كل مقال بأسماء مُستعارة، فكان من أسمائها المستعارة: «شجية، خالد رأفت، إيزيس كوبيا، عائدة، كنار، السندبادة البحرية الأولى».
- كانَ لِـ مي زياده دَور كبير في الدِّفاع عَن حُقوق المَرأة، وبِمُطالبة المُساواة مع الرجل، كَما أنّها استَحقّت أن تَكون رائِدة مِن رائِدات النَّهضة النِّسائية العَربيَّة الحَديثة، حَيثُ كانَت مُتطلعَة عَلى تاريخ المرأة في الفَترة التي سَبَقت سَجنها فَأكثرت مِن الكِتابة والمُحاضرات والنّدوات؛ لِلمُطالبة بِحقوق المرأة.
- تُعدّ ميّ ممّن أبدعوا في مَجال الصّحافة، فكانت تكتب المقالات ذات الأثر الاجتماعيّ في الصّحافة المصريّة، ومن الصُّحف التي كتبت فيها صحيفة «المحروسة» التي كان لها فيها باب خاص وثابت اسمه «يوميّات فتاة».
- ممّا أضافته ميّ إلى عَملها في سنة 1926 أنّها ابتَكرت بابًا جَديدًا في صَحيفة «السّياسة الأسبوعيّة» وأطلقت عليه اسم «خَليّة النّحل»، وكانَ هذا الباب قائِماً عَلى أساس الأسئِلة وَالأجوِبة الصّادِرَة مِمّن يُريدُ من قُرّاء الصّحيفة أن يَسأل سُؤالاً أو يُجيبَ عَلى سُؤال مَطروح.
- زَادت ميّ زيادة مِن إقبال الفِئة الشّبابيّة عَلى القِراءة مِن الجَريدة بإنشائها باب خليّة النّحل التّفاعليّ، وَبِهذا قَد أضافَت عامِلاً مُهماً في الصّحافة، ومَع أنّ هذا الباب يُعدُّ عَملها «الفنيّ» الأول في الصّحافة إلّا أنّه كانَ الأخير؛ لِأنّها فضّلت أن تَكون كاتِبة غَير مُقيَّدة بأحَد وأنْ تَكونَ حُرّة لا تَختَلِط مَع مَن تَكتب لَهُم.
- حاوَلت صَحيفة «الأهرام» أن تَجتذب مَي لِتَكون عُضوًا في أسرة تَحريرها وأعَدّت لَها مَكتبًا خاصًا في غُرفة رَئيس التّحرير، ولكنّها رَفضت العَرض، وبَقِيت صِلتها قائِمةً عَلى الكِتابة الحُرّة.
مي والأدب
أثرت مى زياده الساحة الأدبية بالعديد من الكتب والمقالات التي تناولت مواضيع متنوعة من الشعر، القصة، والمقالات الأدبية، فاشتهرت بكتاباتها التي تركز على قضايا المرأة والمجتمع، وكذلك ترجمتها لأعمال أدبية غربية إلى اللغة العربية.مؤلفات مي زياده
قامت مي بِعدة رِحلات إلى أوروبا وغَذّت المَكتبة العربية بِطائفةٍ من الكُتب وبَلغت مِن غايَتها في الأدب والعلم والفن.
ظَلت سَنواتٍ طويلةٍ تَغرس الأشعار والنثر وتتهادى بمُؤلفاتها في الأدب إلى أن وافتها المنية سنة 1941م، تاركةً ورائها وَراءَها مَكتبة لا تَزال مَحفوظة بالقاهرة.
ومن هذه المُؤلفات:
- أوّل كِتاب ألفته مي ووَضعتهُ بالاسم المُستعار (إيزيس كوبيا) هو مَجموعة مِن الأشعار باللغة الفرنسية.
- رجوع الموجة
- باحثة البادية
- غاية الحياة
- ترجمة ابتسامات ودموع أو الحب إلى الألمانية
- سوانح فتاة
- وردة اليازجي
- ظلمات وأشعة
- المساواة
- ين الجزر والمد
- الصحائف
- عائشة تيمور
- من أدب مي
- الحب في العذاب (ترجمة مى زيادة)
- الأعمال المجهولة
- كتابات منسية
- كلمات وإشارات(ج١)
- كلمات وإشارات (ج٢)
ألقاب مي زيادة
لُقبت مي زياده بالعديد من الألقاب، مثل:
- سيدة القلم العربي.
- فريدة العصر.
- فراشة الأدب .
الجَوائز
في عام 1999م، اختارَت وِزارة الثَّقافة الُّلبنانية مَى زياده كَشخصية العام الّذي سَيقام حَوله الاحتفال السَّنوي في بيروت.الصالون الأدبي
كانت مى زيادة معروفة بإنشاءها لصالون أدبي في منزلها بالقاهرة، حيث كان يجتمع فيه نخبة من الأدباء والشعراء والفلاسفة من مختلف أنحاء العالم العربي.كان هذا الصالون منبراً للنقاشات الفكرية والأدبية الحية، ومن أبرز رواده (طه حسين، أحمد شوقي، وعباس محمود العقاد).
صالون مي الأدبي
وُلدت فِكرة مي بصالونها الأدبي في فَترة تَحوّل جَذريٍ شامِلٍ في جَميع مَناحي الحياة، بَعد الدَّعوة إلى الاستقلال السياسي، وظُهور الرَّغبة المُلحّة في الحريّة الفرديّة والمساواة، والدعوة إلى تحرير المرأة، فكانت بداية انعقاد صالون مي عام 1913م، حيثُ وَقفت في خطابٍ لأول مَرة في بهو الجامعة المصرية، لإلقاء كَلمة جبران خليل جبران نيابةً عنه اشتراكاً في تَكريم الشاعر خليل مطران، وفي نهايةِ الكَلمة وَجّهت الدَّعوة لِعقد صالون أدبي في مَنزِلها، فَتلقت يَومها تَشجيعاً كبيراً من الحاضرين، وبعد ذلك ابتدأ يجتمع في بيتها مَجموعة مِن الأشخاص الذين حَضَروا صالونها الأدبي.
كان صالون مي الأدبي يُقام كل ثلاثاء من كل أسبوع، واستمر أعواماً تَحت رِئاسة الشاعر إسماعيل صبري.
كانَ الصالون في بادِئ انعِقاده يُعقد بمسكنها في الطّابق العلوي من مَباني جريدة الأهرام في شارع مظلوم باشا، يستقطب فيه المفكرين والكتّاب والشعراء، ونَوعياتٍ مُختلفة مِن عليّة القَوم والأثرياء والأدباء المعدومين ومنهم (إسماعيل صبري، منصور فهمي، ولي الدين يكن، أحمد لطفي السيد، أحمد زكي، رشيد رضا، محيي الدين رضا، مصطفي عبد الرازق، الأمير مصطفي الشهابي، أمين المعلوف، الدكتور يعقوب صروف، الدكتور شبلي شميل، سلامة موسى، إسماعيل مظهر، محمد حسين المرصفي، أحمد شوقي، خليل مطران، إبراهيم المازني، عباس محمود العقاد، أنطون الجميل، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، داوود بركات، زكي مبارك، عبد الرحمن شكري .. وغيرهم).
كان صالون مي الأدبي واسعاً رحباً، اختارت أثاثه بنفسها، وعلقت في صدره أبيات من الإمام الشافعي وهي:
- إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى وذنبك موفور وعرضك صين .. سانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن ُ .. وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل يا عين للناس أعين .. وعاشر بمعروف، وسامح من اعتدى وفارق، ولكن بالتي هي أحسن ُ.
ما قاله المُفكرون عن صالون مي الأدبي
ذكر عباس محمود العقاد أحد رُواد صالونها بَراعتها في إدارة الحوار وتوجيهه فََقال:
- ما تَتحدث بِه مي مُمتِع كالّذي تَكتبه بَعد رُؤية وتَحضير، فَق وُهبت مَلكة الحَديث، وهِيَ ملكة التَّوجيه وإدارة الحَديث بَين مَجلس المُختلفين في الرأي والمزاج والثقافة واللغة.
وَصَف د. طه حسين صالونها قائلًا:
- كانَ صالوناً ديمقراطياً مفتوحاً، وقد ظَللت أتردد عَليه أيّام الثلاثاء إلى أن سافرتُ إلى أوروبا لِمُتابعة الدِّراسة، وأعجََبني مِنهُ اتِّساعَه لِمذاهب القَول وأشتاتِ الكلام وفُنون الأدب، وأعجَبَني مِنهُ أنّه مَكان لِلحديثِ بِكل لسان، ومُنتدى لِلكلام في كُل عِلم.
أمّا الشاعر إسماعيل صبري الّذي اضطر لِلغياب عَن الصَّالون، فَكتبَ مُعتذرًا عَن الغِياب قائِلًا:
- روحي عَلى بعضِ دور الحي حائِمة كَظامِئ الطير حوامًا عَلى الماء، إن لَم أمتع بِمي ناظري غدا أنكَرت صُبحك يا يوم الثلاثاء.
وقال الدّكتور مترى بولص:
- لم يَكُن صالون مي واقفاً عَلى فِئة مِن المُؤلفين المُنتمينَ إلى طَبقة أو اتّجاه دونَ فِئة أخرى، إلّا أنّه في مَنحاهُ الاجتِماعي كانَ واقفاً عَلى الفئة الفنيّة.. والأدب تَحول في صالون مي إلى تيارٍ فِكريّ بَعيد عَن التَّيارات الاجتِماعيّة والسياسية الّتي كانَ يَضطربُ بِها المجتمع المصري، وبِذلك نَأت مي بالأدب عَن الالتِزام الاجتِماعي الواقِعي، وحَصَرتهُ في بُرج عاجي تُطل مِنهُ عَلى النّاس، وإن صالون مي في جانبٍ مِن جَوانبه الإيجابية لَدليل عَلى رقي الفِكر وسُموّ الثقافة، إلا أنه من ناحيته السَّلبية سمة مِن سِمات نَزعتها الفَرديّة، وأرستقراطيتها الفِكريّة.. وهذا ما جَعَل صالونها عيد الأصولِ عَن الشعب مُنقطع الصِّلة بالعاديّين من الناس.
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فَترجم انطِباعاته عَن مَي وصالونها بقصيدة يَقولُ فيها:
- أُسائلُ خاطريْ عمّا سباني .. أحُسْنُ الخَلْقِ أمْ حُسْنُ البيانِ
- رأيتُ تنافسَ الحُسْنينِ فيها .. كأنّهما ” لِمَيّةَ ” عاشقان
كما زار صالون مي الأدبي اثنان من المفكرين الأمريكيين، كان أحَدهم هِنرى جايمس القَصصي الأمريكي وهو شقيق وليم جايمس العالم النفسي الشهير، وكانت مي مَعهُما مثالاً للمرأة الشرقية المثقفة.
أشهر أعمال مى زيادة الأدبية
رجوع الموجة: مجموعة قصصية قصيرة تعكس تجربة مي زيادة في المجتمع.باحثة البادية: مجموعة مقالات تتناول قضايا المرأة والتحديات التي تواجهها.
الصحائف: ديوان شعري يعبر عن مشاعرها وأفكارها.
حياة مي العاطفية
كانَت مَي مَحط اهتمامِ العديد مِنَ الشُّعراء والكتّاب والأدباء ورجال الدّين في عَصرِها، وخاصًة الذين التقوا بِها في الواقع مُباشرة أو في صالونها الأدبي أو عَرفوها مِن الجريدة.نشأت أيضًا علاقة عاطفية بعددٍ من رُواد صالونِها الأدبي فَقد كَتب إسماعيل صبري وهو مِن شُعراء الطّبقة الأولى في عصر النهضة ومن شيوخ الإدارة والقضاء يقول:
- رُوحِي عَلى بعضِ دورِ الحي قائمةً كظامِئ الطّير تواقاً إلى الماء إن لم أمتع بميّ ناظري غداً أنكرت صُبحك يا يوم الثلاثاءِ مي زيادة
- أكلُ هَؤلاَء عشاقٌ؟ وعلى كلٍ من هَؤلاَء يَنبَغي لميََ أَن تُجيب جَوَاب المحبوبةَ الََتي تَتَقبلُ العشق ممَن يدَّعيه؟ هَذَا هُو الخَاطر الذي تصححُه لمحَةٌ سريعةٌ أيضاً إلى طبيعة الندوة وطبيعةِ التَحية العُرفية التي تُناسِبها.
- وإني أحبّ باريس إنَ فيها شَبابي وأمَلي، ومَع ذلك فإنّي أتَعجل العَودة إلى القاهرة يَظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل.
أما عَن الشّاعر المصري التركي ولي الدين يكن فَقد قالَ فيها:
- الهوى الذي أخفيهِ ؟ أيُّ سِر يا مَي لَم تَعلميه؟ وقَد قالَ فيها شِعراً أيضاً عندما جاءت لزيارته وهو مريض حيث قال: " تبدت مع الصبح لما تبدى فأهدت إليَّ السلام وأهدى .. تقابل في الأفق خداهما، فحيّت خداََ وقبلت خداََ .. لقد بدَّل الله بالبعد قرباََ، فلا بدَّل الله بالقرب بعداََّ .. تعالي فجسي بقلبك كبدي، إن كان قد أبقى لي الهجر كبداََ"
مِنَ الجَدير ذِكره أنّ هُناك آخرين مِن كِبار الشُّعراء ومِن رُواد صالونِها الأدبي وَقعوا في حُبّها أيضًا مثل: طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأنطون الجميّل، وأمير الشعراء "أحمد شوقي". وعَلى الرُّغم مِن كِثرتهم لم تُحب سوى جبران خليل جبران برُغم عَدم التقائِهِما.
مي وجبران
تَعارف مي وجبران عبر الرسائل، فعندما كَتبت مَي مَقالة تُعبّر فيها عَن رأيها بِقصيدة جبران خليل جبران «المواكب»، حَيثُ كانت مُعجبة بِأفكاره وآراءه، ثُمَ كَتبت لَه رِسالة تُعبّر فيها عَن رأيها أيضاً بِقصة «الأجنحة المتكسرة» الّتي نَشرها في المهجر عام 1912م حيث كتبت لَهُ:- "إنّنا لا نَتفق في مَوضوع الزّواج يا جُبران. أنا أحترمُ أفكارَك وأجلُ مَبادئك، لِأنني أعرِفُك صادِقاً في تَعزيزها، مُخلصاً في الدِّفاع عَنها، وكُلُها تَرمي إلى مَقاصِدَ شَريفة. وأُشاركك أيضاً في المَبدأ الأساسيّ القائِل بِحرية المَرأة، فكالرجل يَجبُ أن تَكون المرأة مُطلقة الحُريّة في انتِخاب زَوجها من بَين الشُّبان، تابِعة بذلك مُيولَها وإلهاماتِها الشّخصية، لا مَكيفة حَياتها في القالِب الّذي اختارَهُ لَها الجيرانُ والمَعارف".
تأثيرها وإرثها
تعتبر مي زياده رمزاً من رموز النهضة الأدبية والثقافية في العالم العربي. شكلت كتاباتها مصدر إلهام للعديد من الأدباء والكتاب الذين جاؤوا بعدها، وأسهمت في تعزيز دور المرأة في الأدب والمجتمع.وفاة مي
رحلت فراشة الأدب وسيدة القلم العربي عن عالمنا فى 17 أكتوبر من عام 1941م عن عمر ناهز 55 عاماً في مستشفى المعادي بالقاهرة.الخاتمة
تبقى مي زيادة واحدة من الأيقونات الأدبية التي ساهمت بشكل كبير في تطور الأدب العربي الحديث، بفضل أعمالها الأدبية وإسهاماتها الفكرية، ستظل ذكراها خالدة في أذهان محبي الأدب والثقافة العربية.اقرأ أيضاً جبران خليل جبران - أحد رموز الأدب العالمي
التسميات
أضواء الإبداع