فيلم شيء من الخوف - بصمة عميقة في تاريخ السينما

فيلم شيء من الخوف - قصة تقاوم الزمن

فيلم شيء من الخوف هو أحد الأفلام الكلاسيكية التي تركت بصمة عميقة في تاريخ السينما المصرية والعربية.

فيلم شيء من الخوف
فيلم شيء من الخوف

فيلم شئ من الخوف مقتبس من قصة قصيرة للأديب الكبير ثروت أباظة، ومن إخرج حسين كمال، ومن بطولة شادية ومحمود مرسي ويحيى شاهين ومحمد توفيق.

عرض الفيلم

في الأسبوع الأول من فبراير 1969م، عُرِّض الفيلم العربي شيء من الخوف، المأخوذ عن قصة قصيرة بنفس الاسم للأديب ثروت أباظة، حيث كتب السيناريو صبرى عزت، وكتب الحوار الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وأنتجه صلاح ذو الفقار وأخرجه حسين كمال، أما أغنية الفيلم الوحيدة (ياعينى عينى على الولد) التي غنتها شادية فقد كتبها عبد الرحمن الأبنودى ولحنها بليغ حمدى.

أبيض وأسود

جرى تصوير الفيلم بالأبيض والأسود بالرغم من إمكانية تصويره بالألوان لانتشار الأفلام الملونة في هذا الوقت، ويرجع ذلك لاستغلال المخرج حسين كمال لظلال الأبيض والأسود ببراعة لم تكن ممكنة فيما لو جرى التصوير بالألوان.

شيء من الخوف
شيء من الخوف

حوار الأبنودي

على الرغم من أن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الكبير ثروت أباظة، إلا أن الفضل الأكبر في نجاحه يعود إلى الإسقاطات السياسية التي أدخلها عبد الرحمن الأبنودي على حوار الفيلم.

فكرة الفيلم

تدور أحداث الفيلم داخل قرية مصرية صغيرة، حيث يسيطر رجل قاسي يدعى عتريس (محمود مرسي) على القرية بقبضة من حديد، يعشق عتريس فؤادة (شادية) الفتاة البريئة والشجاعة التي تتصدى لظلمه وطغيانه، يرفض والدها (محمد توفيق) تزويجها منه رغم تهديداته المستمرة، فيتزوجها رغماً عن رفضها وأبيها في ظل صمت أهل الحق في القرية خوفاً من طغيانه.

رسالة الفيلم

يجسد الفيلم صراع الخير ضد الشر والمقاومة الشعبية ضد الاستبداد.

ماذا لو

ماذا لو سيطر رجل شديد القسوة بقبضته الحديدية على قرية صغيرة وتزوج أحد بناتها رغماً عنها وعن أبيها وعن أهل القرية؟

القصة والمعالجة السينمائية 

يفرض عتريس الجد (محمود مرسي) سلطته على أهالي القرية ويفرض عليهم الإتاوات، ويتربى في كنفه عتريس الحفيد (محمود مرسي) على القهر والقسوة والظلم والغطرسة، ورغم أنه كان يحب الحمام لكونه طيب القلب، لكن تأثير جده عليه يزداد مع مرور الوقت حتى يبلغ الحقد والكُره مبلغه لحظة اغتياله أمامه.

كان عتريس الحفيد يحب فؤادة (شادية) منذ نعومة أظافره، ولكن فؤادة لم تكن راضية عن تغير شخصية عتريس الحفيد للأسوأ، فتتحداه بفتح الهويس الذي أغلقه عقاباً لأهل القرية عندما قُتل أحد رجاله من قبل عائلة الدهاشنة (إحدى عائلات القرية) مما تسبب في جفاف الأرض والمحاصيل وانتشار العطش. 

ولأن عتريس يحب فؤادة ولا يستطيع قتلها، فيقرر بدلاً من ذلك أن يتزوجها غصباً، ولا يستطيع حافظ (محمد توفيق) والد فؤادة أن يعصي أمر عتريس فيزوجها له بشهادة شهود باطلة خوفا من بطش عتريس رغم عدم موافقتها على ذلك!

عندما يعلم عتريس لاحقاً أن فؤادة لم توافق على الزواج ولم تمكنه من نفسها وأن العقد باطل، يحتفظ بها في بيته وتثور ثائرته وينتقم من والدها ويحرق أراضيه ويعيث في القرية فساداً. 

وتتمنع فؤادة عن عتريس وتلبس الأسود حداداً وتقف موقف بطولي، فيتحرك شباب القرية ليثوروا ضد عتريس، وبسبب هذا الزواج الباطل يكثر الكلام واللغط عن عتريس وفؤادة، فيتصدى الشيخ إبراهيم (يحيى شاهين) وابنه محمود (حسن السبكي) لعتريس ويجاهر بأن زواج فؤادة من عتريس باطل، فيقتل عتريس محمود ابن الشيخ إبراهيم يوم عرسه على عزيزة (بوسي).

يأتي مشهد النهاية بمشهد جنازة محمود وفيها يردد الشيخ إبراهيم جملته الشهيرة «جواز عتريس من فؤادة باطل» ويردد كل أهل القرية وراء الشيخ إبراهيم ويتوجهون لمنزل عتريس الذي لا يستطيع مقاومة كل أهل القرية الثائرون ضده، فيحرق أهل القرية منزل عتريس وهو بداخلها وتكون هذه نهاية عتريس جزاءً لأفعاله، ويتم تحرير فؤادة إلى أهلها.

عتريس وفؤادة من فيلم شئ من الخوف
عتريس وفؤادة من فيلم شئ من الخوف

الشخصيات الرئيسية

فؤادة: البطلة التي تقف بوجه الظلم والطغيان بكل شجاعة.
عتريس: الحاكم الظالم الذي يستخدم القوة والترهيب للسيطرة على القرية.
الشيخ إبراهيم: يمثل صوت الحكمة والمقاومة الشعبية ضد الظلم.

تصوير الفيلم 

عند بدء تصوير الفيلم كان صُناعه يبحثون عن قرية تتحقق فيها مواصفات السيناريو، وبعد بحث كبير وجد الفنان صلاح ذو الفقار (منتج الفيلم) قرية في محافظة القليوبية، وللمصادفة ان أهل القرية لم يكن يملكون هويس، وحياتهم كانت في فقر بسبب عطش وجفاف أراضيهم لعدم وجود الهويس (ناقل المياه إلى الأراضي).

اتفق الإنتاج مع عمدة القرية على بناء هويس بناءً حقيقياً، ومن ثَم حل مشكلة القرية إلى الأبد، لكن على شرط ان أهل القرية يتم تصويرهم في الفيلم لحظة فتح الهويس، وبالفعل نجح ذو الفقار في جلب الهويس حسب اتفاقه مع عمدة القرية، ثم جاءت فكرة المخرج حسين كمال بقيام شادية بتشغيله.

وفي اللحظة اللى كانت شادية تفتح فيها الهويس في الفيلم ببطء شديد، كانت قلوب أهل القرية مُتعلقه بأول نقطة مياه (في مشهد حقيقي وواقعي تماماً) فكانت صورة المياه وهي تروى الأرض العطشة المُتحجرة حقيقية، وكان رقص الناس داخل المياه وفرحتهم الهستيرية ليست بتمثيل بل إنها فرحة حقيقية.

كل مكان وأي زمان

تظهر مقدمة شيء من الخوف متضمنة لوحات تشكيلية للفنان يوسف فرنسيس شبيهة بفن الجداريات حالياً لمجموعة من البائسين المعذبين والحائرين أمام بطش قلة تمتلك القوة لتصاحبها أغنية من كلمات عبدالرحمن الأبنودي ولحن بليغ حمدي، ترصد قصة بلد لا يعرف أحد موقعها ولا عصر وقوعها، فمن الممكن أن تكون في كل مكان وفي أي مان، حيث تمتلئ الأرض بالحقد والخوف من المستقبل.

الرسائل الاجتماعية والسياسية

الفيلم ليس مجرد قصة حب وصراع، بل يحمل في طياته رسائل سياسية واجتماعية عميقة، حيث يعكس النضال ضد الظلم والاستبداد، ويعبر عن الرغبة في تحقيق العدل بين البشر، كما يمكن اعتبار الفيلم نقداً للوضع السياسي في مصر خلال فترة إنتاجه من حيث استخدام الرمز والإيحاء لنقل الرسائل بصورة فنية راقية.

الإخراج والتصوير

استطاع حسين كمال المخرج المبدع أن ينقل ببراعة أجواء القرية المصرية وحياة أهلها عبر استخدام زوايا تصوير مُبتكرة وإضاءة طبيعية تعزز من واقعية الأحداث، فكان التصوير في الريف المصري عنصرًا أساسيًا في خلق الأجواء الدرامية للفيلم.

الموسيقى التصويرية

لا يمكن الحديث عن فيلم شئ من الخوف دون الإشارة إلى الموسيقى التصويرية الرائعة التي أبدعها بليغ حمدي، فكانت الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من تجربة الفيلم، حيث أضافت بُعداً عاطفياً وأثرت بشكل كبير في توجيه مشاعر المشاهدين.

فيلم شئ من الخوف
شئ من الخوف

جوائز وتكريمات الفيلم 

رُشح الفيلم لجائزة مهرجان موسكو السينمائي وهو ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

رمزيات الفيلم

الفيلم به الكثير من الرمزيات، فـ عتريس يرمز للحاكم الديكتاتور، وأهل القرية يرمزون للشعب الذي يقع تحت وطأة الطاغية، أما فؤادة فترمز للوطن الذي لا يستطيع الديكتاتور أن يهنأ به.

أشار بعض النقاد إلى أن هذا الفيلم قد يرمز لفترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وأشار البعض الآخر أنه قد يرمز لفترة حكم الملك فاروق، كما قال البعض انه يرمز لأي حكم ديكتاتوري ولأي طغيان وقهر بشكل عام.

حملة شرسة

حدثت حملة شرسة وقت صدور إعلانات الفيلم وأفيشاته التي ملئت الشوارع المصرية، إلا أن بعض المسئولين في ذلك الوقت قد قاموا بمحاربة الفيلم ومنعوا عرضه قبل الانتهاء من تصويره، بحجة أن المقصود بشخصية عتريس هو الرئيس جمال عبد الناصر، فكان المنع مجاملةً للرئيس، والحقيقة أن الرقابة السينمائية قد منعت عرض الفيلم مرتين.

لم تستسلم شادية للأمر وأعلنت التحدى فهي البطلة وزوجها المنتج، فاستمر تصوير الفيلم لتسعة أشهر بمجهودٍ كبير، وبدأت معركتها مع الرقابة والدفاع عن الفيلم في الصحف والمجلات، بل أرسلت خطابا إلى الرئيس جمال عبد الناصر تطلب منه مشاهدة الفيلم والحكم عليه، واستجاب الرئيس لطلبها وطلب من السادات نسخة من الفيلم وشاهده في وجوده، وبعد أن شاهده مرتين ضحك وقال فيما معناه:
  •  لا توجد إسقاطات سياسية بالفيلم وأن شخصية عتريس لا تمثله، وأنه لو كان مثله لاستحق أكثر مما حدث لعتريس!
وانتصرت شادية في معركتها مع الرقابة، التي أجازت عرض الفيلم فكتب المؤلف ثروت أباظة تعهداً بأن بطل الفيلم يرمز إلى الاستعمار وأعوانه، وهو ما أكده نجيب محفوظ، رئيس المؤسسة المصرية العامة للسينما التابعة للحكومة وقتها، وأقبل الجمهور على مشاهدته بعد الجدل الذى أثير حوله وحقق إيرادات كبيرة، إلا أنه رُفع من دور العرض بعد عشرة أيام فقط ليتم عرضه بالتليفزيون لينجح الفيلم جماهيرياً نجاحاً منقطع النظير، وعن ذلك الأمر قال حسين كمال مخرج الفيلم: 
  • لقد أطلق أعداء النجاح إشاعة مؤداها أننا نقصد بشخصية عتريس الرئيس جمال عبد الناصر.

بوستر للفنانة شادية من فيلم شيء من الخوف
بوستر نادر للفنانة شادية من أفيشات فيلم شيء من الخوف 

الأثر الثقافي

حقق فيلم شيء من الخوف نجاحاً كبيراً على المستوى الجماهيري والنقدي، وأصبح من الأفلام الخالدة في ذاكرة السينما العربية، وأصبحت مشاهد الفيلم تُدرَّس بالمعاهد السينمائية كأمثلة حية على الإخراج والتمثيل الراقي.

الخاتمة

فيلم شيء من الخوف هو عمل فني رائع تناول قضايا إنسانية وسياسية بطريقة تجاوت الزمن من خلال قصة حب وكفاح ضد الاستبداد، فعكس الفيلم روح المقاومة والحرية، وظل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية والعربية، ولا يزال الفيلم مثالاً يُحتذى به في كيفية استخدام الفن كوسيلة للتعبير عن قضايا المجتمع.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال