رأفت الميهي - رحلة من الإبداع والابتكار
رأفت الميهي هو واحد من أبرز الكُتاب والمُنتجين والمخرجين العباقرة في تاريخ السينما المصرية، وُلد في عام 1940 وتوفي في عام 2015، وقد ترك بصمة كبيرة في عالم الفن السينمائي من خلال أعماله المميزة التي جمعت بين الإبداع والابتكار والجودة العالية.رأفت الميهي |
تملك أعمال رأفت الميهى القدرة على الصمود في اختبار الزمن، وعلى حمل العديد من التأويلات بحسب من يشاهدها في أي عقد وفي أي حقبة زمنية وسياسية وبحسب جميع التغيرات المجتمعية.
عند رؤية أفلام «الميهي» في المناخ الحالي على سبيل المثال تتفاجأ أن الاشياء لم تتغير كثيرًا، المسميات كما هي، المعاناة كما هي، التطور في ما يخص الأدوار الجندرية حدث بشكل ظاهري، لكننا ما زلنا ندور في نفس الفلك الذي دُرنا فيه في الثمانينيات والتسعينيات.
النشأة والتعليم والبداية
وُلد رأفت الميهي في القاهرة، وبدأ مسيرته الأكاديمية بدراسة الأدب الإنجليزي قبل أن ينتقل لدراسة السينما في معهد السينما، حيث تخرج عام 1964، وكانت هذه النقلة هي البداية الفعلية لمسيرته المهنية في مجال السينما، والتي بدأها كسيناريست عبقري بعدة أفلام ناجحة أبرزها "غروب وشروق، قبل أن ينتقل إلى الإخراج، ليبدأ فصلاً جديداً في مسيرته الإبداعية.نقطة تميزه
تتميز أعمال رأفت الميهي بالجرأة في الطرح والابتكار في السيناريو والإنتاج والإخراج، حيث كان يدمج بين الواقعية والفانتازيا في أعماله بشكل مبتكر.الأسلوب والإبداع
تميز رأفت الميهي بأسلوبه الفريد في السرد القصصي والإخراج، حيث كان يميل إلى المزج بين الواقعية والسريالية، مما أضفى على أفلامه جواً من الغموض والإثارة، كما كان يستخدم الحوار الذكي والمواقف الكوميدية لنقل رسائل اجتماعية وسياسية بعمق.الكوميديا السريالية
غالبًا ما توصف أفلام رأفت الميهي بلفظ «الفانتازيا»، نظرًا لطبيعتها الخيالية أو عناصرها الميتافيزيقية، توصف بكونها واقع يتداخل مع الخيال، لكن كلمة فانتازيا ليست بالدقيقة نوعيًا لوصف نوع السينما الذي اختاره الميهي، فالنوع السينمائي الأقرب لوصف ما يفعله يمكن أن يكون الكوميديا السريالية، لكن الميهي لم يتوصل لإتقان ذلك النوع الذي تفرد به في مناخ سينمائي صارم الأنواع من أول أفلامه، بل تدرج حتى وصل إليه، تدرج من أعلى مرتفعات الميلودراما حتى وصل إلى سخرية لا تعترف بالمشاعر المفرطة.ما هي الكوميديا السريالية؟
يمكن تعريف الكوميديا السريالية من كتاب «لغة السريالية» باعتبارها شكلًا من الكوميديا يعتمد على الخرق المقصود للمنطق السببي، وبذلك تنتج أحداثًا ومواقف غير منطقية بشكل واضح، تمثيلات الدعابة السريالية تميل للاحتواء على تراكيب غرائبية، وتنافر في العناصر، وجمل حوارية بلا معنى، وتعبيرات متعددة من الهراء، كل تلك العناصر يصعب رؤيتها في فيلم الميهي الأول كمخرج سينمائي «عيون لا تنام».مع ذلك؛ نلمح بدايتها الحقيقية في فيلم «الأفوكاتو»، على الرغم من اتباعه للمنطق السببي، لا تقع أحداث الفيلم في عالم معلق بلا منطق بل في عالم أرضي يعبر عن فترته الزمنية والمكانية وهو ما جعل شخصياته بخاصة شخصية حسن سبانخ «عادل إمام» جزءًا لا يموت من ثقافة المصريين الشعبية، لكن ظهرت به بعض لمحات الكوميديا البصرية التي يمكن وصفها بالسريالية أو التي تتبع نهج الأحلام، مثل مشهد دخول المحامي حسن سبانخ لغرفة السجن الفارهة وفتحه ستارًا يظهر خلفه خلفية للشمس والبحر وأصوات العصافير والأمواج، تلعب مشاهد مثل تلك التأثير الكوميدي والنقد السياسي لكنها تحمل داخلها صيغة الكوميديا السريالية التي سيلتزم بها الميهي في بقية مسيرته بينما يتأرجح بين السخرية والتراجيديا.
الإخراج: اتجه "الميهي" عام 1981 للإخراج حين قدم فيلم (عيون لا تنام) بطولة فريد شوقي وأحمد زكي ومديحة كامل، ونال الفيلم استحسانًا كبيرًا وقبولاً من النقاد، وأتبعه بفيلم (الأفوكاتو) مع عادل إمام عام 1983 ثم (للحب قصة أخيرة) مع يحيى الفخراني عام 1986.
مسيرة رأفت الميهي المهنية
كتابة السيناريو: بدأ رأفت الميهي مسيرته مع السينما كسيناريست، حيث قدم عام 1966 فيلم (جفت الأمطار) ثم دخل في شراكة مع المخرج كمال الشيخ في سبعينات القرن العشرين، حيث قدما خلالها أفلام (غروب وشروق) و(على من نطلق الرصاص) و(الهارب) و(شيء في صدري).الإخراج: اتجه "الميهي" عام 1981 للإخراج حين قدم فيلم (عيون لا تنام) بطولة فريد شوقي وأحمد زكي ومديحة كامل، ونال الفيلم استحسانًا كبيرًا وقبولاً من النقاد، وأتبعه بفيلم (الأفوكاتو) مع عادل إمام عام 1983 ثم (للحب قصة أخيرة) مع يحيى الفخراني عام 1986.
الإنتاج: كان للميهي بصمة كبيرة أيضاً في مجال الإنتاج السينمائي، حيث أنتج معظم الأفلام التي أخرجها وكتبها في نفس الوقت أبرزها :"المتوحشة"، "الأفوكاتو"، "البداية"، "سيداتي آنساتي"، "قليل من الحب كثير من العنف"، "يا دنيا يا غرامى"، "ميت فل"، "تفاحة"، "ست الستات"، علشان ربنا يحبك"، "شرم برم".
أفلام من إنتاج وتأليف وإخراج الميهي: قدم رأفت الميهي عدداً من الأفلام الكاملة من صناعته التأليفية والإخراجية وبعضها من إنتاجه أيضاً، والتي أصبحت من علامات السينما المصرية، من هذه الأفلام: "الأفوكاتو"، "للحب قصة أخيرة"، "السادة الرجال"، "سمك لبن تمر هندى"، "سيداتي آنساتي"، "قليل من الحب كثير من العنف"، "ميت فل"، "تفاحة"، "ست الستات"، "علشان ربنا يحبك"، "شرم برم".
جميع أعمال رأفت الميهي
جفت الأمطارغروب وشروق
شيء في صدرى
غرباء
أين عقلي
الحب الذي كان
الهارب
الرصاصة لا تزال في حيبي
على من نطلق الرصاص
المتوحشة
عيون لا تنام
السادة الرجال
الأفوكاتو
للحب قصة أخيرة
ست الستات
تفاحة
عشان ربنا يحبك
قليل من الحب كثير من العنف
سمك لبن تمر هندي
سيداتي آنساتي
شرم برم
يا دنيا يا غرامي
ميت فل
البداية
عيون لا تنام
السادة الرجال
الأفوكاتو
للحب قصة أخيرة
ست الستات
تفاحة
عشان ربنا يحبك
قليل من الحب كثير من العنف
سمك لبن تمر هندي
سيداتي آنساتي
شرم برم
يا دنيا يا غرامي
ميت فل
البداية
- أخرج رأفت الميهي مسلسل واحد للتلفزيون هو (وكالة عطية) عام 2009 عن رواية الكاتب الكبير خيري شلبي.
عيون لا تنام
أخرج الميهي أول أفلامه «عيون لا تنام» بشكل رومانسي - تراجيدي يأخذ مشاعره بالجدية التي تتطلبها، ينظر المحبون في أعين بعضهم دون مزاح أو كسر للإيهام، للقتل عواقب حقيقية وكل الاحتمالات الحياتية مرتفعة: الاتفاقات الإنجيلية لقتل الأشقاء، الوقوع في حب امرأة رجل يشاركك الدم، طبيعة الحياة في ظل البطريركية واستخدام النساء كأوعية للولادة والاستفادة من استمرار النسل للمصالح الخاصة، كل تلك المآسي الحياتية تبدو السخرية منها مستحيلة.لكن تلك ليست هي الحقيقة، في الأفلام التالية لرأفت الميهي سيتضح أن السخرية من كل شيء ممكنة، يمكن جعل الحب والموت والفقر والسلطة والجنس عناصر لاستجلاب الكوميديا، لا تزال المشاعر حقيقية لكنها ليست ثقيلة، والعلاج لم يعد التطهير الميلودرامي بالنهايات التي تعاقب الجميع على الخطايا بل بالترفع عن التطهير والعقاب، بالنظر من فوق على كل شيء وكأنه لا يخص أحدًا رغم كونه معاشًا بالكامل.
سمك لبن تمر هندي
يتخطى الميهي التراجيديا ويصل بالنزعة السريالية لأقصاها في فيلم «سمك لبن تمر هندي» 1988، الذي يستعرض به الميهي كل قدراته على التداعي الحر والتخيل، في هذا الفيلم وما بعده يحاول الأبطال الحصول على أساسيات الحياة، الاجتماع بمن يحبون والاستقرار المادي والمعيشي، لكن السياسات القائمة تمنعهم عن ذلك.يعمل الفيلم كسخرية سياسية من مفهوم العمالة للخارج والهوس بالأمن القومي وسذاجة السياسيين، يفكك أفكارهم لتظهر كما هي، أفكار تصلح تمامًا لخلق مواقف كوميدية دون منطق سببي، تدور الأحداث في مركز ضخم لمعالجة «متمردي العالم الثالث»، يتم العلاج بغسيل كامل للجسم.
من هذه الفرضية ينطلق الفيلم في سلسلة من المواقف والمشاهد التي تفضل الكوميديا البصرية على الحوارية، يتحول الأطباء إلى جزارين ينشرون اللحم البشري ويصبح كل ما هو مرعب غير ذي معنى، يزن أحد الأطباء كبد أحد المواطنين ويضعه في رغيف ليأكله، يستيقظ الأموات لقول ما يخطر في بالهم ثم يعودون للموت، وتستدعي إحدى الشخصيات ملائكة من الجنة لاصطحابها إلى الآخرة.
ست الستات
فيلم دراما مصري، كتب قصته والسيناريو والحوار والإخراج رجل واحد اسمه "رأفت الميهي" ، الفيلم من بطولة ليلى علوي وماجد المصري وماجدة الخطيب، تدور أحداثه خول الشاب عبد العزيز الذي يعود إلى القاهرة من إحدى الدول العربية؛ حيث كان يعمل هناك، ويتوجه إلى شقة خالته فكيهة، ويكتشف أنها أصبحت بيت دعارة، وتنكر صاحبة الشقة أنها خالته .. يتناول حياة مجموعة من النساء في القاهرة، حيث يستعرض مشاكلهن وتحدياتهن بواقعية ممزوجة بالفكاهة، يعكس الفيلم قضايا النساء في المجتمع المصري بشكل جريء ومباشر.الأفوكاتو
يُعد هذا الفيلم من أبرز أعمال رأفت الميهي، حيث يعرض قصة محامي يلعب دوره الفنان عادل إمام، ويستكشف الفيلم الفساد في النظام القضائي المصري بأسلوب كوميدي ساخر.
للحب قصة أخيرة
عطل الميهي بعد «الأفوكاتو» رغبته في استكشاف الهراء لصالح صناعة أرق أفلامه، «للحب قصة أخيرة» 1986 الذي عاد به بشكل أكثر نضوجًا للتراجيديا، لكن ليس بنفس الثقل الميلودرامي الذي تناول به فيلمه الأول، في للحب قصة أخيرة ميل نحو التوثيق الإثنوغرافي لمكان مغلق ومنعزل وهو جزيرة الوراق، وتصوير للحب والموت، بشكل يمكن استشفاف السخرية تحته لكن دون فقدان جدية المشاعر، في ذلك الفيلم يخاف الجميع الموت وينتظره في الوقت نفسه، والكل يخلق قصصًا وهمية للتخفيف عن الآخر، وهو مفهوم إذا تم تفكيكه بعيدًا عن أجواء الفيلم الحزينة يمكن استخراج سمات الميهي المقبلة منه، وهو فعل خلق القصص وتبديل الأدوار، يعاني حسن من مرض مميت فيقرر بدافع الحب التظاهر بأنه على ما يرام ويورط في قصته طبيب الجزيرة، تلك الأفعال التعبيرية المجازية التي يقوم بها الأفراد من أجل الحب سوف تحرك أبطال جميع أفلام الميهي المقبلة لكن على آخر طيف الجدية، بعد «للحب قصة أخيرة» لن تحمل مشاعر الحب الصلابة نفسها، ستحل محلها الكوميديا السريالية بكل لا منطقها وغرابتها.
السادة الرجال
يتناول الفيلم قصة امرأة تقرر التحول إلى رجل لتتمكن من العيش بحرية في مجتمع يفرض قيوداً على النساء. يعالج الفيلم قضايا النوع الاجتماعي والحرية الشخصية بجرأة وفكاهة.
آخر افلام الميهي
كان آخر أفلام رأفت الميهي هو فيلم «علشان ربنا يحبك» الذي أنتجه بنفسه عام 2001 معتمداً فيه على وجوه جديدة، ولكن لم يحقق إيرادات مما أدى لابتعاده عن الإخراج وإنشاءه أكاديمية تحمل اسمه لتدريس السينما.
ثنائية مع الساحر
ومع بدء شراكة رأفت الميهى السينمائية مع النجم الساحر محمود عبد العزيز، اتخذت مسيرته شكلاً آخر قائم على التجريب وسينما الفانتازيا، حيث قدم معه الأفلام التالية: (سمك لبن تمر هندي - السادة الرجال - سيداتي آنساتي)
الميتا فيلم أو كيف تصبح الأفلام أحلامًا؟
في أحد مشاهد فيلم «سمك لبن تمر هندي» في تتابع يبدو كالحلم كبقية الفيلم يبدأ الخط الفاصل بين الإيهام السينمائي والواقع في السقوط كما تنهار الخطوط الفاصلة بين الحلم والحقيقة، ينادي يوسف داوود الممثل القائم بدور رئيس المنظمة السرية معالي زايد باسمها، ويستدعي فيلمًا سينمائيًا آخر وهو «الكرنك» لكي يهددها بما حدث به، ذلك التتابع لم يكن فقط وليد لحظة تداعٍ عشوائية، فالفيلم نفسه يبدأ بمحمود عبد العزيز متحدثًا مباشرة للكاميرا لكي يوضح بشكل استباقي أن أي رموز أو مجازات يتناولها الفيلم لا تعني أي شيء وأن العساكر والأطباء هم ليسوا عساكر أو أطباء بل ممثلين، تتكرر في أفلام الميهي ما يمكن تسميته «الميتا فيلم» أو الفيلم داخل الفيلم، حيث تتوقف الأحداث عن محاولات الإيهام بأنها واقعية وتستسلم لكونها مصنوعة بالكامل، دون نية في إخفاء الممثلين خلف شخصيات أو الصناعة السينمائية خلف أحداث خيالية، الميتا سينما لا تهتم بتعطيل الاستنكار suspension of disbelief بل تتحداه، تمامًا مثلما تعي أنك تحلم داخل حلمك.في فيلم «تفاحة» 1997 يبدأ حسن (ماجد المصري) وزينات (ليلى علوي) في سرد قصة أمام المحكمة لتبرئة أنفسهما من تهمة ما، فتبدأ الأحداث في الظهور أمامنا على الشاشة، تستدعي قصصهم المختلقة ممثلين وشخصيات من داخل الفيلم في أدوار أخرى، ويمكن لكل قاص أن يرى ما يحدث في قصة الآخر، وكأنهما يحلمان معًا، يتلاعبان بأحداث حياتهما، بأدوار الشخصيات بداخلها وكأنهما يخرجان أفلامهما الخاصة، ومثل «سمك لبن تمر هندي» يبدأ فيلم «تفاحة» بإرساء كونه فيلمًا فيخبرنا الراوي أن ليلى علوي تقوم بدور تفاحة، وأن الوجه الجديد ماجد المصري يقوم بدور حسن، وأن الأحداث تقع قبل القرن الواحد والعشرين بأربعة أعوام.
يمكن رؤية ذلك الصراع بين صناعة الحلم وصناعة الفيلم الواعي بكونه فيلمًا في أوضح صوره في فيلم «قليل من الحب كثير من العنف» 1995، تنبع أحداث الفيلم التي نراها من خلال قراءة بعض الشخصيات لنسختين من سيناريو مقتبس عن رواية لفتحي غانم المقتبس عنها الفيلم، فيتشكل الفيلم أمامنا بينما نشاهده، ويتداخل المنطق الحلمي مع المنطق السينمائي، أحد تلك السيناريوهات يتناول الأحداث بشكل واقعي ميلودرامي والآخر بشكل كوميدي سريالي، تتصارع الرؤيتان أمامنا، يتغير الممثلون فجأة، يقوم ممثلون مختلفون بأداء نفس الأدوار مما يستدعي طبيعة ولغة الاحلام، كأن ترى شخصًا تعرفه في المنام لكنه لا يبدو كما تعرفه في الحقيقة، وأن يدخل أحدهم كادر الحلم فجأة يربكه ويغير مساره، يعمل قليل من الحب كثير من العنف كحلم معقد وفي الوقت ذاته صراع داخلي بين الأنواع الفيلمية، بين النوعين اللذين طالما تصارعا داخل رأفت الميهي، لكن وعلى عكس المتوقع تنتصر الميلودراما هنا، وتصبح الكوميديا السريالية فواصل من حلم غير مكتمل.
تأثير الميهي على السينما المصرية
كان لرأفت الميهي تأثير كبير على السينما المصرية، قدم الميهي رؤية جديدة ومختلفة عن السائد، حيث كان يفضل طرح القضايا الاجتماعية والسياسية بطرق غير تقليدية، كانت أفلامه تحمل طابعاً فلسفياً، مما جعلها مادة غنية للنقاش والتحليل.
رأفت الميهي والتعليم
إلى جانب عمله في الإخراج والكتابة، كان رأفت الميهي أيضاً أستاذاً في معهد السينما، حيث قام بتدريس الجيل الجديد من المخرجين والكتاب، كان له تأثير كبير على الطلبة، حيث نقل لهم خبراته وأساليبه المبتكرة في كتابة السيناريو والإخراج.
يبقى رأفت الميهي واحداً من الأيقونات البارزة في تاريخ السينما المصرية. بفضل رؤيته الفنية الفريدة وجرأته في طرح القضايا الاجتماعية، نجح في تقديم أعمال خالدة لا تزال تُشاهد وتُحلل حتى اليوم. تأثيره على السينما المصرية سيظل قائماً، وأعماله ستبقى مرجعاً مهماً لكل من يهتم بالفن السابع.
أثره في الجيل الجديد
تأثير رأفت الميهي لم يقتصر على الأفلام التي أخرجها أو كتبها فقط، بل امتد ليشمل جيلاً كاملاً من المخرجين والكتاب الذين تتلمذوا على يديه أو تأثروا بأسلوبه، كان دائماً ما يشجع الابتكار والتجريب، مما ساعد على خلق موجة جديدة من الأفلام المصرية التي تتسم بالجودة والإبداع.
مساهماته في السينما المستقلة
كان رأفت الميهي من رواد السينما المستقلة في مصر، حيث سعى لدعم المواهب الشابة وتقديم فرص جديدة لهم. قام بإنتاج بعض الأفلام بتمويل ذاتي، مما أتاح له حرية أكبر في التعبير الفني بعيداً عن الضغوط التجارية.
الفلسفة الشخصية ورؤيته الفنية
تأثرت فلسفة رأفت الميهي وأسلوبه الفني بالعديد من المدارس الفكرية والأدبية، مثل الوجودية والعبثية. كان يؤمن بأن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة لتقديم رؤية نقدية للمجتمع وللتعبير عن مشاعر وأفكار الإنسان المعاصر.
دوره في تحديث السينما المصرية
سعى رأفت الميهي إلى تحديث السينما المصرية من خلال تقديم تقنيات جديدة في التصوير والمونتاج، واستخدام المؤثرات البصرية بطرق مبتكرة، فكان يؤمن بأهمية التجديد والتطوير المستمر في صناعة السينما لمواكبة التغيرات في تفضيلات الجمهور والتقنيات الحديثة.
علاقاته مع النجوم
عمل رأفت الميهي مع العديد من نجوم السينما المصرية الكبار، مثل عادل إمام ويسرا وسعيد صالح. كانت له علاقات مهنية وطيدة مع هؤلاء النجوم، مما ساعد على نجاح أعماله وانتشارها على نطاق واسع. كان لديه قدرة فريدة على اكتشاف المواهب وتوظيفها بشكل مثالي في أفلامه.
الإرث الثقافي
إلى جانب أعماله الفنية، ترك رأفت الميهي إرثاً ثقافياً من خلال دوره كمعلم وموجه للأجيال الجديدة من السينمائيين. كان يُنظر إليه كشخصية ملهمة ومؤثرة في الوسط الفني، وقد أثرت رؤيته وأسلوبه في العديد من المخرجين والكتاب الشبان.
تأثيره على الأفلام الوثائقية
بالإضافة إلى الأفلام الروائية، كان لرأفت الميهي اهتمام كبير بالأفلام الوثائقية. ساهم في إنتاج بعض الأفلام الوثائقية التي تناولت قضايا اجتماعية وتاريخية هامة، وسعى من خلالها إلى تقديم صورة واقعية عن المجتمع المصري.
دوره كناقد
لم يكتف رأفت الميهي بدور المخرج والكاتب، بل كان له حضور بارز كناقد سينمائي، كتب العديد من المقالات النقدية التي تناولت الأفلام المصرية والعالمية، وكان له دور في تشكيل الوعي النقدي لدى الجمهور والنقاد على حد سواء.
الجوائز التكريم
حصل رأفت الميهي على العديد من الجوائز والتكريمات على مدار مسيرته الفنية، منها جوائز من مهرجانات سينمائية محلية ودولية، كان دائماً ما يُشيد بنجاحاته الفنية والنقدية، والتي ساهمت في تعزيز مكانته كواحد من أفضل مخرجي وكُتاب السينما في مصر، منها جوائز أفضل سيناريو وأفضل إخراج في مهرجانات مختلفة، كان تكريمه اعترافاً بموهبته الفذة وإسهاماته الكبيرة في إثراء السينما المصرية.
لن تتوقف السرديات
صنع رأفت الميهي أفلامه في مناخ سياسي خامل ومحتدم في الوقت نفسه، لا تميزه النزعة الوطنية الواضحة التي ميزت أفلام الستينيات والسبعينيات وجاءت في مرحلة انتقالية طويلة وممتدة انتشر بها النقد السياسي وأفلام السخرية السياسية التي تستخدم المجاز لإيصال ما تريده، لكن دون ترك مساحة للشك بالمقصد المطلوب، لكنه على عكس كاتبين ومخرجين تلك الفترة لم ينتهج منهج التطهير، في نهايات أفلامه لا يحدث حدث ضخم وتطهيري، لا يصرخ المظلوم أو يموت الظالم، بل تستمر الأحوال على ما هي عليه، لا تتوقف السرديات فجأة لإلقاء العظة بل تستمر وكأنها لن تتوقف، كأنها سوف تعيد نفسها إلى الأبد.
بشاي لـ الميهي
كتب الكاتب والسيناريست المصري عاطف بشاي مقالة عن العملاق رأفت الميهي في عام 2019 بجريدة المصري اليوم، قائلاً:
- "حينما ودع «رأفت الميهى» دنيانا منذ خمس سنوات ودعت السينما المصرية عبقرياً لا يجود الزمان بمثله، فلم يكن مجرد كاتب سيناريو وحوار رائع لا يتكرر.. ولا مخرج كبير يقدم أفلاماً مميزة.. ولا منتج جيد يحقق رؤية راقية لتلك الأفلام.. فلا يبخل عليها بالجهد والمال.. ولكنه كان «مفكراً سينمائياً» يصوغ رؤية فلسفية.. تمتد من واقع اجتماعى وسياسى متغير إلى أطروحات بالغة الغور والعمق والتعقيد تشمل الإنسان والكون والوجود فى إطار من السخرية المريرة من ذلك الواقع الجامد بثوابته وتابوهاته المتحجرة، سعياً لتحرير الروح الوثابة، وإلى تجاوز التخلف والخرافة والتمرد ضد القوالب الجاهزة والمسلمات الراسخة.. والتقاليد المتعفنة.. كان «رأفت الميهى» أيقونة السحر والخيال والإبداع الحر فى أزمنة سينما تافهة متراجعة شكلاً وموضوعاً، ومتلق فسد ذوقه وتداعت معارفه وتدنت ثقافته.. ذلك لأنه أعطى عمره وعصارة حياته وعطر تجاربه وذوب مشاعره وخلاصة شطحاته وأفكاره لعشقه الأول والأخير.. سينما مختلفة لا سقف لجسارتها ولا حدود لرحابتها.. ولا نهاية لجنونها الخلاق."
وأضاف:
- "إنه يحلم ويجسد حلمه بالكاميرا تجسيداً سريالياً عبثياً فوق الواقع وضد السائد وضد الإطارات والأشكال الجاهزة المتعارف عليها، متجاوزاً التصور الآنى اللحظى الثابت إلى رحابة المتغير الغامض.. عابراً إلحاحات الواقع الاجتماعى المستقر إلى رؤية شاملة للحياة والبشر والمعانى دون أن يغفل حيرة وعذاب الإنسان واحتياجاته المادية والغرائزية فى أرض الشقاء.. إنه يمثل مزيجاً مدهشاً من عوالم «سلفادور دالى» الذى يبحر فى غياهب اللاوعى مبتكراً ألعاباً سحرية تتسامى فوق ثوابت الواقع وقضاياه المعاصرة دون أن يفقد صلته بها.. بل تبقى تلك الصلة قائمة على سخرية مُرة وموجعة لهذا الواقع وشخوصه التى تتجسد تجسيداً كاركاتورياً بتجريدية تلخص الملامح تلخيصاً حاداً كما فى لوحات «بيكاسو» وأفلام «فيللينى» و«بازولينى» وفلسفة «كامى» ومسرحيات «يونسكو» العبثية."
واستكمل:
- "بدأ يكتب للسينما عام (1965) من خلال سيناريو وحوار فيلم «جفت الأمطار»، الذى أخرجه «د. سيد عيسى» بعد عودته من «موسكو» متأثراً بالسينما الروسية، خاصة «أيزنشتاين»، وسيطر على البناء الدرامى ما يمكن تسميته باتجاه «الواقعية الاشتراكية».. يقول فى ذلك صديق عمره الناقد الكبير «سمير فريد»: «كان فيلم (جفت الأمطار) أول فيلم اشتراكى فى تاريخ السينما المصرية، وكنا نعتقد أن من الواجب بيع الحرية الفردية من أجل حرية كل الشعب، ولم ندرك أن بيع الحرية من أجل أى شىء يؤدى إلى فقد الحرية وكل شىء إلا بعد الهزيمة فى (1967)، وقد عُرض فيلم (جفت الأمطار) بعد أسابيع من تلك الهزيمة».
واستطرد:
- "بدأ «رأفت الميهى» مبهراً فى ثانى فيلم من أفلامه التى كتب لها السيناريو والحوار «غروب وشروق» قصة جمال حماد.. وإخراج «كمال الشيخ» وبطولة «سعاد حسنى» و«رشدى أباظة»، محللاً الواقع السياسى قبل ثورة (1952) تحليلاً ذكياً وعميقاً.. تعاون بعده مع «كمال الشيخ» فى أفلام «شىء فى صدرى» و«الهارب» و«على من تطلق الرصاص».. وهى أفلام سجلت أفضل سيناريوهات تلك المرحلة من عمر السينما المصرية، إذا أضفنا لها أيضاً «غرباء» إخراج «سعد عرفة»، الذى ناقش فيه بجرأة واقتحام التابوهات «ثنائية العلم والدين» و«الحب الذى كان»، وكان أول أفلام المخرج «على بدرخان»، وبطولة «سعاد حسنى» و«محمود ياسين»، و«أين عقلى»، سيكودراما عن قصة «لإحسان عبدالقدوس» وإخراج «عاطف سالم».. و«الرصاصة لاتزال فى جيبى».. وهى أفلام كلاسيكية واقعية تعكس حتمية اجتماعية وسياسية واضحة.. وتتميز ببراعة لافتة فى رسم الشخصيات وإدارة الصراع ورشاقة الحوار.. وقبل كل ذلك الجرأة السياسية فى طرح وجهات نظره المثيرة للتأمل والجدل."
وواصل:
- "ثم ومع بداية الثمانينيات بدأ مغامرته الكبرى والمدهشة فى الإبحار والتحليق الجسور فوق الواقع، والتى لم يكن هناك مفر من أن يجتمع فيها الكاتب والمخرج.. فانتقل من الرمزية فى «عيون لا تنام» إلى العبث فى «الأفوكاتو» والذى حدد من خلاله مشواره الجديد فى الكوميديا الساخرة بمنهج اللامعقول الذى يتجاوز الإضحاك بمعناه المحدود إلى خلق عالم متكامل خاص ملىء بالخيالات والأحلام والتهويمات والفانتازيا والرؤى الغريبة والمتداخلة.. والمتجاوزة لمحدودية الزمان والمكان.. والغريب أن المتلقى استقبل فيلم «الأفوكاتو» استقبالاً جيداً فحقق إيرادات كبيرة.. ليس لكون «عادل إمام» هو بطله فقط.. ولكن لأن «رأفت الميهى» حينما صاغ فيلمه هذه الصياغة العبثية.. كان مدركاً تماماً أن الواقع المعيش بـ«لامعقوليته» قد تجاوز خيال أى مؤلف كوميدى.. وبالتالى فقد رحب بكل شطحات الفيلم وتجاوب معها .. أعقب ذلك «السادة الرجال» و«سمك لبن تمر هندى» و«سيداتى آنساتى» ليصنع «رأفت الميهى» سينما خاصة لا يجرؤ على صنعها أو ارتياد أرضها أو الإبحار فى عالمها إلا مفكر كبير وفيلسوف لصور مرئية فى تجلياتها العظيمة."
الخاتمة
رأفت الميهي ليس مجرد مخرج وكاتب، بل هو فنان متكامل يمثل نموذجاً فريداً للفنان الشامل الذي استطاع أن يترك بصمة لا تُمحى في مجالات متعددة في عالم الفن السابع .. فبفضل أعماله الرائعة ورؤيته الفنية المبتكرة، أصبح مثالاً يحتذى به لكل من يسعى للتميز في عالم السينما، وسيظل إرثه الفني حياً ومؤثراً في الأجيال القادمة، وأفلامه ستظل شاهدة على عبقرية وموهبة نادرة.
اقرأ أيضاً يوسف شاهين - عملاق السينما المصرية
التسميات
فن