في ظاهرة غير مسبوقة، ظهر كتاب فلسفي مثير للجدل بعنوان "الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك وهندسة الواقع" في الأسواق الأوروبية، منسوبًا لفيلسوف يُدعى جيانوي شون.
![]() |
كتاب الهيبنوقراطية بين ترامب وماسك والذكاء الاصطناعي |
لكن سرعان ما كشفت التحقيقات الصحفية أن شون ليس كاتبًا حقيقيًا، بل شخصية وهمية ابتكرها المفكر الإيطالي أندريا كولاميديشي بالتعاون مع أدوات من الذكاء الاصطناعي.. هذا العمل غير التقليدي أعاد طرح سؤال جوهري: من يصنع الحقيقة في عصر تغزوه الآلات؟
ما هي الهيبنوقراطية؟
"الهيبنوقراطية" هو مصطلح مركّب يجمع بين "التنويم المغناطيسي" و"الحكم"، ويقصد به نظام السيطرة على الوعي الجماعي لا من خلال القمع أو الرقابة المباشرة، بل عبر تشويش الحقيقة وتكاثر السرديات.
يرى المؤلف "الوهمي" للكتاب أن هذا هو السلاح الجديد الذي يستخدمه رموز القوة مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك لتشكيل الواقع وفق رؤيتهم.
جيانوي شون: فيلسوف بلا وجود
تم الترويج للكاتب "جيانوي شون" باعتباره مفكرًا من هونغ كونغ، مختصًا في فلسفة العقل والإعلام الرقمي، لكن الصحافة الأوروبية، وخصوصًا الصحافية الإيطالية سابينا ميناردي، كشفت أن شون هو مجرد اسم مستعار، بينما العمل الفلسفي بأكمله كان نتاج تعاون بين المفكر كولاميديشي وأدوات ذكاء اصطناعي، منها "تلون" و"كلود".
ذكاء اصطناعي يكتب الفلسفة: خطوة أم خطيئة؟
بحسب القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي الصادر في 2023، فإن عدم وسم المحتوى المنتج بالذكاء الاصطناعي يعد مخالفة قانونية، ورغم أن العمل لم يُوسم عند نشره، لم يتضح بعد ما إذا كان صاحبه سيُحاسب. لكن الأهم من ذلك أن هذا "الخرق" كان جزءًا من تجربة أدائية أرادت أن تجسّد الفكرة الفلسفية داخل التجربة نفسها.
فلسفة ما بعد الحقيقة: من يملك سرد القصة؟
يركز الكتاب على فكرة أن السلطة في العصر الحديث لم تعد بحاجة إلى قمع أو عنف، بل يكفي أن توجّه انتباه الجمهور وتغرقه بسيل من السرديات المتضاربة. هكذا، يضيع المعنى، وتصبح المنصات الرقمية بمثابة مسارح لتنويم المجتمعات، هذا التحليل يستند إلى فلسفات ما بعد الحداثة ويعيد صياغة نظريات التلاعب بالواقع بأسلوب مدهش وحي.
الكتاب كمرآة للواقع الجديد
ما يجعل "كتاب بلا كاتب" فريدًا هو أنه لا يكتفي بوصف الهيبنوقراطية، بل يجسّدها. فقد خلق مؤلفًا مزيفًا، سردية وهمية، وصورًا مزيفة كلها خدمت غرضًا واحدًا: إقحام القارئ في تجربة فلسفية حية، حيث لا يمكن تمييز الحقيقة من الوهم بسهولة.
مشروع "شون": تعاون الإنسان والآلة في إنتاج المعرفة
أوضح كولاميديشي لاحقًا أن "شون" لم يكن خدعة، بل مشروعًا تجريبيًا لاستكشاف كيف يمكن للعقل البشري والذكاء الاصطناعي أن يتعاونا في إنتاج خطاب فكري معقّد، فبدلًا من الاعتماد على صوت واحد، يُمثّل شون تجسيدًا لصوت جماعي، متعدد الطبقات، عابر للهوية والمكان والزمان.
بين الفلسفة والخيال العلمي
كتاب بلا كاتب ليست مجرّد حادثة طريفة في عالم النشر، بل علامة فارقة في العلاقة بين الإنسان والآلة، إنها تفتح الأبواب لأسئلة خطيرة عن المصداقية والمعرفة والتلاعب والإدراك في عصر الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: