محاولة اغتيال نجيب محفوظ - في ظهيرة يوم الجمعة، 14 أكتوبر 1994، وبينما كان الأديب العالمي نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل، يغادر منزله في حي العجوزة بالقاهرة استعدادًا لندوته الأسبوعية، شهد العالم لحظة صادمة حبست الأنفاس، حيث اندفع شاب متطرف وطعنه في عنقه بسكين، في محاولة اغتيال نجيب محفوظ الغادرة والناتجة عن تحريض وتكفير من جماعات متشددة.
![]() |
| محاولة اغتيال نجيب محفوظ |
تفاصيل اللحظة المروعة
وصف الدكتور فتحي هاشم، الطبيب والصديق الذي كان يرافق محفوظ حينها، تفاصيل محاولة اغتيال نجيب محفوظ قائلاً:
"رأيت الشاب ينحني عليه فجأة، وظننت في البداية أنه معجب يريد تقبيل يده أو تحيته، لكن جسد نجيب اهتز بشكل شديد وعنيف. صرخت على الشاب: 'ماذا تفعل يا مجنون؟!'، فأسرع بالفرار."
في البداية، لم يدرك محفوظ أنه تعرض للطعن، وظن أنها لكمة قوية، لكن تدفق الدماء كشف الحقيقة الصادمة، وأن الهجوم كان يهدف لإنهاء حياة أحد أعظم رموز الثقافة العربية.
شخصية الجاني ودور الجماعات المتشددة في التحريض
من قام بمحاولة نجيب محفوظ هو شاب متطرف يُدعى محمد ناجي مصطفى، لم يكن يعرف محفوظ شخصيًا، بل تأثر بخطاب جماعات تكفيرية كانت تحرّض ضد الأديب بدعوى "كفره" بسبب رواية أولاد حارتنا.
الجماعات المتشددة في ذلك الوقت نشرت فتاوى التكفير، مستهدفة المثقفين والفنانين. محفوظ كان على رأس القائمة نظرًا لشهرته وتأثيره الفكري.
محاولة اغتيال نجيب محفوظ: صمود الإرادة في وجه الألم
على الرغم من خطورة الإصابة التي كادت تودي بحياته، والألم الجسدي والنفسي الهائل، استطاع نجيب محفوظ أن يحوّل هذه المحنة إلى نقطة انطلاق جديدة في حياته، فقد نجا من الموت بأعجوبة، لكن الطعنة تركت أثرًا دائمًا، حيث أتلفت الأعصاب في الجانب الأيمن من رقبته، مما أثر على قدرته على الكتابة بيده اليمنى.
مع ذلك، قاوم محفوظ التأثير السلبي للطعن وواجه تحديات الشيخوخة والمرض بروح صامدة، معتمدًا على إرادته الفريدة ومساندة الأصدقاء، خصوصًا الطبيب النفسي الشهير الدكتور يحيى الرخاوي، الذي أسس له روتينًا يوميًا صارمًا لدعم صحته النفسية والجسدية.
ورغم محاولة اغتيال نجيب محفوظ استمر الأديب الكبير في ممارسة عاداته اليومية قدر الإمكان، ونجح في إنجاز عمله الأخير "أحلام فترة النقاهة"، الذي يمثل إحدى أبرز محطات الإبداع في مسيرته، إذ كان يملي هذه النصوص القصيرة جدًا على أصدقائه، لتكون شهادة على أن إرادة المبدع لا يمكن كسرها. لقد تجاوز الاكتئاب وما بعد الصدمة بفضل روحه المرحة وإيقاع حياته المعتاد، ليظل مثالاً على الصمود والتفاؤل.
رد فعل الشارع المصري بعد محاولة اغتيال نجيب محفوظ
أحدثت محاولة اغتيال نجيب محفوظ صدمة كبرى في الشارع المصري، إذ اعتبر الناس أن استهدافه لم يكن مجرد اعتداء على شخص، بل على رمز وطني وضمير ثقافي جمع الأجيال. خرجت الصحف بعناوين غاضبة، وأبدى المثقفون والفنانون تضامنًا واسعًا معه، مؤكدين أن الإرهاب لن يستطيع إخماد صوت الإبداع. حتى المواطن العادي شعر أن ما جرى مسّ مكانته الشخصية، لأن محفوظ كان يمثل وجدان المصريين جميعًا بكتاباته التي صوّرت حياتهم وهمومهم. لقد تحولت تلك اللحظة من محاولة اغتيال إلى موقف وطني جامع، أبرز وحدة المصريين في مواجهة العنف والتطرف.
رد فعل العالم العربي والغربي بعد محاولة اغتيال نجيب محفوظ:
لم يقتصر صدى محاولة اغتيال نجيب محفوظ على مصر وحدها، بل امتد إلى العالم العربي والغربي، حيث أثارت الحادثة موجة استنكار واسعة، ففي العواصم العربية، عبّر المثقفون والكتّاب عن غضبهم الشديد، معتبرين أن استهداف محفوظ هو استهداف لحرية الفكر والإبداع بأكمله، أما في الغرب، فقد جاءت ردود الفعل قوية نظرًا لمكانته كحائز على جائزة نوبل، حيث تناولت الصحف العالمية الحدث كدليل على الخطر الذي يهدد المثقفين في مواجهة التطرف الديني، وقد أجمعت الأصوات الدولية على أن محفوظ لم يكن مجرد روائي، بل رمزًا إنسانيًا يستحق أن يُحاط بالحماية والاحترام
ثقة لا تتزعزع في الشعب المصري
لم تؤثر محاولة اغتيال نجيب محفوظ على إيمانه العميق بالشعب المصري أو بقيمه ومعتقداته الراسخة. ينقل الكاتب الكبير محمد سلماوي، أحد أقرب أصدقائه، عن محفوظ قوله بعد الحادث:
"لم أتأثر بشيء، فثقتي بالشعب كما كانت، ورفضي للإرهاب كما كان."
وفي لقاء آخر مع الكاتب المسرحي ألفريد فرج، يحلل محفوظ الشخصية المصرية قائلاً:
"المصريون شعب متدين، لكن يغلب عليهم التعلق بالعادات والطقوس... ونقائص الشخصية المصرية تعود إلى ما ورثوه من عهود الظلام على مدى آلاف السنين."
كان محفوظ يرى أن التطرف ظاهرة دخيلة على نسيج المجتمع المصري المتسامح بطبعه.
محفوظ يسامح الجاني
رغم أن محاولة اغتياله كادت تودي بحياته، فإن نجيب محفوظ لم يُظهر أي حقد أو رغبة في الانتقام من الجاني، بل تعامل مع الحادثة بروح متسامحة وفلسفية، فقد كان يرى أن الشاب المنفذ لم يكن إلا ضحية لفكر متشدد زرع فيه الكراهية، ولهذا ركّز محفوظ في أحاديثه بعد الحادث على أن المواجهة الحقيقية للإرهاب لا تكون بالعنف المضاد، بل بنشر الثقافة والتنوير وتجديد الخطاب الديني. وبذلك أثبت أنه ليس مجرد أديب كبير، بل رمز إنساني قادر على تحويل الجرح الشخصي إلى دعوة للحياة والفكر والحرية.
ولادة ثانية للأديب العالمي
لقد مثلت هذه المحاولة فصلًا جديدًا في حياة نجيب محفوظ، بمعنى أدق كانت بمثابة ولادة ثانية للأديب العالمي، حيث عاش بعدها اثني عشر عامًا، مؤكدًا مرة أخرى أن الإرادة والإبداع يمكن أن يصمدا في مواجهة العنف والظلامية، وأن الفن والحياة يظلان مترابطين حتى في أحلك اللحظات، ليترك إرثًا خالدًا من الحكمة والصمود.
أسئلة شائعة حول محاولة اغتيال نجيب محفوظ
1. لماذا استهدف المتطرفون نجيب محفوظ؟
بسبب روايته أولاد حارتنا وفتاوى التكفير التي أطلقتها جماعات متشددة.
2. كيف أثرت محاولة الاغتيال على حياته؟
أثرت على أعصابه ويده اليمنى، لكنه استمر في الكتابة عبر الإملاء.
3. ماذا كتب نجيب محفوظ بعد الحادث؟
أبرز أعماله أحلام فترة النقاهة، التي تمثل فلسفة عميقة عن الحياة والموت.
4. بعد محاولة اغتيال نجيب محفوظ .. هل فقد أديب نوبل ثقته بالمجتمع المصري؟
لا، ظل يقول إن ثقته بالشعب لم تتأثر، ورفض الإرهاب كما كان دائمًا.
5. متى توفي نجيب محفوظ؟
توفي عام 2006، بعد 12 عامًا من محاولة الاغتيال.
6. ما هي رسالة الحادثة للأجيال الجديدة؟
أن الإرادة والإبداع أقوى من الإرهاب، وأن الفكر لا يُغتال.
ختامًا؛ لقد كانت محاولة اغتيال نجيب محفوظ واحدة من أكثر اللحظات إيلامًا في تاريخ الثقافة العربية، لكنها في الوقت نفسه أبرزت عظمة الأديب الذي لم ينكسر أمام العنف. فقد حوّل الجرح إلى شهادة على صلابة الروح، وترك للأجيال درسًا خالدًا في أن الفكر الحر أقوى من السكاكين، وأن الكلمة الصادقة لا تُغتال. عاش محفوظ بعد تلك الحادثة كأنه وُلد من جديد، فأبدع وألهم وأكد أن الأدب سيبقى دائمًا حصنًا منيعًا في مواجهة الظلامية والتطرف، إرثه اليوم ليس فقط في كتبه ورواياته، بل في مواقفه الإنسانية التي تجعل منه رمزًا عالميًا للصمود والإبداع.
اقرأ أيضاً:
