خيري شلبي - روائي الشعب أجْدَرُ من وصف الشارع المصري

خيري شلبي أفضل واصف للشارع المصري 

خيري شلبي كاتب وروائي مصري هو أحد أبرز الأدباء المصريين في القرن العشرين، وُلد في 31 يناير 1938 في قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ، وتوفي في 9 سبتمبر 2011، يُنظر إلى شلبي على نطاق واسع أنه أفضل من وصف الشارع المصري من خلال رواياته.

خيري شلبي 

يعتبر خيري شلبى من الأدباء الذين أضافوا الكثير إلى الأدب العربي من خلال رواياته وقصصه القصيرة، والتي عكست تجارب الحياة المصرية اليومية بعمق وبساطة. 

في هذا المقال، سنستعرض حياة خيري شلبي، أهم أعماله الأدبية، وأثره على الأدب العربي.

حياة خيري شلبي

بدأ خيري شلبي حياته الأدبية في سن مبكرة حيث كان لديه شغف كبير بالقراءة والكتابة، فبعد تخرجه من المدرسة الثانوية، انتقل إلى القاهرة ليبدأ حياته العملية والأدبية، عمل في العديد من الوظائف البسيطة التي أثرت بشكل كبير على أسلوبه الأدبي، إذ نقل في رواياته تجارب الناس البسطاء ومعاناتهم اليومية.

نشأة خيري شلبي

شكلت نشأة خيري شلبي في قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ في دلتا النيل (وهي منطقة زراعية تتميز بطبيعتها الخلابة وحياة أهلها البسيطة) الخلفية الثقافية والاجتماعية له وأثرت هذه البيئة الريفية على الكثير من موضوعات رواياته.

خلفيته التعليمية والمهنية

لم يحصل خيرى شلبي على تعليم جامعي، ولكنه عوض ذلك بالقراءة المكثفة والعمل في عدة وظائف بسيطة أثرت على رؤيته للحياة.

العمل في الصحافة

عمل "شلبي" في الصحافة إلى جانب الكتابة الأدبية، حيث كان محررًا في عدد من المجلات والصحف، ما أكسبه خبرة كبيرة في الكتابة والتحرير، وهو ما أتاح له فرصة اللقاء والتفاعل مع مختلف طبقات المجتمع، وكانت لهذه التجربة دور كبير في صقل مهاراته الكتابية وتعميق فهمه للقضايا الاجتماعية والسياسية في مصر.

بداياته الأدبية

بدأ شلبي الكتابة في سن مبكرة، حيث كان ينشر قصصه القصيرة في المجلات والصحف المحلية، كما أن عمله المبكر تأثر بشكل كبير بالتراث الشعبي والحكايات الريفية التي كان يسمعها في طفولته، وعلى الرغم من بساطة موضوعاته، إلا أن أسلوبه الأدبي كان يعكس عمقًا فكريًا وقدرة فائقة على الوصف والتعبير.

أسلوبه الأدبي

تميز خيري شلبي بأسلوبه الواقعي الاجتماعي الذي يعكس حياة الفقراء والمهمشين في المجتمع المصري، حيث استخدم لغة بسيطة ومباشرة لتصوير مشاهد الحياة اليومية بأدق تفاصيلها، مما جعل أعماله قريبة من قلوب القراء العاديين.

الأعمال الكاملة لـ خيري شلبي

قدم خيري شلبي حوالي 70 كتابًا، من بينها عشرين رواية ودراسات نقدية وحكايات تاريخية ومسرحيات ومجموعات قصصية، كما تحولت له العديد من الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية ودرامية ومسرحية.

من أشهر رواياته: 

السنيورة، الأوباش، الشطار، الوتد، العراوي، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، ثلاثية الأمالي (أولنا ولد - وثانينا الكومي - وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، منامات عم أحمد السماك، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين، كما كانت له أعمال بارزة مثل:

• صالح هيصة قصة شخصية مثيرة للجدل من عموم الشعب المصري لها آرائها الخاصة في الحياة 2000.
• نسف الأدمغة عصابة تتاجر ببعض البقايا البشرية لكي تنتج أنواعاً أشد فتكاً من المخدرات 2004.
• زهرة الخشخاش قصة شاب مصري من عائلة معروفة في منتصف الخمسينات 2005.
• وكالة عطية وكالة عبارة عن مبنى قديم يؤوي متشردين لكل منهم قصته الخاصة وعالمه الغريب 2007
• صحراء المماليك صحفي يسكن في منطقة جديدة وعلاقاته بشخص غير مرغوب فيه 2008
• أسطاسية قصة عائلة فاسدة والعلاقات المتوترة بين المسلمين والأقباط

 

وكالة عطية

تُعتبر "وكالة عطية" من أشهر روايات خيري شلبي والتي نُشرت في عام 1991، تتناول الرواية حياة مجموعة من الفقراء والمهمشين الذين يعيشون في وكالة عطية وهي منطقة عشوائية في القاهرة، وتعد الرواية بشكل عام بمثابة مرآة للمجتمع المصري في فترة زمنية معينة، حيث نجح شلبي في تقديم صورة دقيقة وحقيقية للمجتمع المصري، نالت الرواية شهرة واسعة وترجمت إلى عدة لغات، وتميز أسلوبه شلبي فيها بسلاسة السرد وعمق الشخصيات، مما جعلها تُترجم إلى عدة لغات وتحصل على إشادة كبيرة من النقاد.

الوتد
نُشرت رواية "الوتد" في عام 1990 وتعتبر من الأعمال المهمة في مسيرة شلبي الأدبية، تحكي الرواية قصة عائلة ريفية مصرية تعيش في دلتا النيل، وتعكس التغيرات الاجتماعية والسياسية التي مر بها المجتمع المصري في تلك الفترة، نالت الرواية شهرة واسعة، وتم تحويلها لاحقًا إلى مسلسل تلفزيوني شهير.

صالح هيصة

"صالح هيصة" هي إحدى روائع خيري شلبي الروائية، حيث تتناول قصة شخصية بسيطة تعيش في إحدى القرى المصرية، فمن خلال سرد مغامرات هذه الشخصية، يعكس شلبي التغيرات التي شهدها المجتمع المصري والتحديات التي واجهها الناس في حياتهم اليومية.

أولنا ولد
"أولنا ولد" هي رواية تتناول قصة حياة طفل يكبر في ظروف قاسية، تعكس الرواية التحديات التي يواجهها الأطفال في المجتمع المصري وكيفية تعاملهم معها، تلرواية مليئة بالتفاصيل الواقعية والشخصيات الحية.

زهرة الخشخاش
في رواية "زهرة الخشخاش"، يتناول شلبي قصة شابة تعيش في قرية نائية وتواجه تحديات كبيرة في حياتها، الرواية تستعرض قضية التحرر الاجتماعي والبحث عن الذات في مجتمع تقليدي.

ومن أشهر مجموعاته القصصية: 

صاحب السعادة اللص، المنحنى الخطر، سارق الفرح، أسباب للكي بالنار، الدساس، أشياء تخصنا، قداس الشيخ رضوان .. ومن مسرحياته: صياد اللولي، غنائية سوناتا الأول، المخربشين. 

ومن أهم أعماله السينمائية:

• فيلم الشطار مع المخرج نادر جلال عن رواية بنفس العنوان.
• فيلم سارق الفرح مع المخرج داود عبد السيد عن قصة قصيرة.

ومن أعماله التلفزيونية:

كتب خيري شلبي السيناريو والحوار للمسلسلات التالية:

• مسلسل (الوتد) من إخراج أحمد النحاس.
• مسلسل (الكومي) عن ثلاثية الأمالي ومن إخراج محمد راضي.
• مسلسل (وكالة عطية) تم عرضه في رمضان 2009 ولم يحقق نجاحاً كبيراً

ومن أعماله المُترجمة:

ترجمت معظم روايات خيري شلبي إلى الروسية والصينية والإنجليزية والفرنسية والأوردية والعبرية والإيطالية، وخصوصًا روايات: الأوباش، الوتد، فرعان من الصبار، بطن البقرة، وكالة عطية، صالح هيصة.

ومن أهم مؤلفاته ودراساته: 

• محاكمة طه حسين: تحقيق في قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي.
• أعيان مصر (وجوه مصرية).
• غذاء الملكات (دراسات نقدية).
• مراهنات الصبا (وجوة مصرية).
• لطائف اللطائف (دراسة في سيرة الإمام الشعراني).
• أبو حيان التوحيدي (بورتيره لشخصيته).
• دراسات في المسرح العربي.
• عمالقة ظرفاء.
• فلاح في بلاد الفرنجة (رحلة روائية).
• رحلات الطرشجي الحلوجي.
• مسرح الأزمة (نجيب سرور).

مسلسل الوتد

تدور أحداث المسلسل حول عائلة فاطمة تعلبة (هدى سلطان) وأكبر أبنائها هو الحاج درويش (يوسف شعبان)، وفكرة المسلسل تدور في إطار أسرة مصرية الأم فاطمة تعلبة تربي أبنائها بأسلوبها الخاص وهدفها الأساسي هو تكوين عائلة كبيرة مترابطة وغير مفككة، وتأمين مستقبل العائلة بشراء الأراضي الزراعية لهم ليصبحوا من ذوي الأملاك، تسيطر فاطمة تعلبة على كل قرارات العائلة حتى أنها تقوم باختيار زوجات أبنائها بدون أخذ رأيهم وتقوم بتزويجهم، وتتحكم في زوجات أبنائها وبالمنزل بكامله وينتهي المسلسل بموت درويش حزنا على حالة والدته الصحية والتي تتوفى بعده بأسبوع.

فيلم الشطار

فيلم الشطار تم تقديمه سينمائياً عن رواية بنفس الإسم للكاتب خيري شلبي، وهو من إنتاج عام  1993، وتدور أحداث العمل في الفترة بعد حرب 67، وفيه يتآمر ثلاثة مقاولون على رشا المطربة المشهورة ليلقى القبض عليها بتهمة التخابر مع جهات أجنبية، وذلك بعد انتحار زوجها، يحكم عليها وتدخل السجن، تبوء كل محاولاتها لإثبات براءتها بالفشل، وعندما يفرج عنها في عام 73 تعود لفتح قضيتها، الفيلم من بطولة نادية الجندي، كمال الشناوي، فاروق الفيشاوي، محمد مختار، سعيد عبد الغني، محمود الجندي، وغيرهم من الفنانين، ومن إخراج نادر جلال.

خيري شلبي ومحاكمة طه حسين 

خيري شلبي هو مكتشف قرار النيابة في كتاب في الشعر الجاهلي لـ طه حسين (هذا الكتاب الذي أثار الجدل ضد الأديب الكبير طه حسين) إذ عثر عليه شلبي في إحدى مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، ولم يكن كتابًا بل كراسة محدودة الورق متهرئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية. 

وكان المعروف إعلامياً أن طه حسين قد استتيب لتنتهي القضية، وبظهور هذا القرار النيابي اتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وكانت أسئلة النائب العام وردود طه حسين عليها شيئا ممتعاً وعظيماً، كما أن المستوى الثقافي للنائب العام كان رفيعاً، كل ذلك حفز الكاتب لتحقيق هذا القرار من الزاوية القانونية وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعياً وأكاديمياً وسياسياً وأدبياً، ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيري شلبي وهو: كتاب (محاكمة طه حسين) الذي طبع أكثر من مرة في الهلال وفي الدراسات والنشر ببيروت ودار المستقبل بالقاهرة وكانت أولى الطبعات عام 1969.

شخصيات خيري شلبي 

كان خيري شلبي ماهرًا في رسم شخصياته، حيث استطاع أن يخلق شخصيات حية وواقعية تنبض بالحياة، كانت شخصياته غالبًا ما تكون من الفئات البسيطة والمهمشة في المجتمع، ولكنه كان يعاملها بإنسانية واحترام، مما جعل القراء يشعرون بقربهم من هذه الشخصيات.

حوار شلبي 

كما أجاد "شلبي" في بناء الشخصيات، تميز في استخدام الحوار في رواياته، حيث كان الحوار بين الشخصيات طبيعيًا وعفويًا، مما ساعد على تعزيز الواقعية في أعماله، عكست حوارات شلبي طبيعة المجتمع المصري بكل تناقضاته وصراعاته.

رائد الفانتازيا التاريخية

عُرِّف عن خيري شلبي من خلال كتابته أنه كان رائداً لأدب الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته (رحلات الطرشجي الحلوجي) عملاً فريداً في هذا القالب الأدبي، وقد ترجمها إلى الإنجليزية المترجم الأمريكي مايكل كوبرسون.

الواقعية السحرية 

خيري شلبي من أوائل من كتبوا الواقعية السحرية، ففي أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيُّرات تؤثر وتتأثر، ومع شلبي تتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل ما يدب على الأرض، حيث يصل الواقع معه إلى مستوى الأسطورة، وممكن أيضاً أن نرى في رواياته نزول الأسطورة إلى مستوى الواقع، ومعه القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل ويمضي قدماً؛ ومن الأمثلة الكثير، ومن أهمها (الشطار) وهي رواية غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط، وهو أن الرواية من أولها إلى آخرها (خمسمائة صفحة) يرويها كلب، نعم كلب هو بطل العمل، حيث يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف!

باحث مسرحي

في سبعينيات القرن الماضي كان خيري شلبي باحثاً مسرحياً، حيث اكتشف من خلال البحث الدؤوب أكثر من مائتي مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، بعضها تم تمثيله على المسرح بفرق شهيرة وقد نشرت أسماء الفرق والممثلين، وبعضها الآخر يدخل في أدب المسرح العصيّ على التنفيذ، وقد أدهشه أن هذه المسرحيات المكتشفة لم يرد لها ذكر في جميع الدراسات التاريخية والنقدية التي عنيت بالتاريخ للمسرح المصري، ومعظمها غير مدرج في (ريبروتوار) الفرقة التي مثلتها، وبعضها الآخر انقرضت الجوقات التي مثلتها.

من رواد النقد الإذاعي

يعد خيري شلبي من رواد النقد الإذاعي، ففي فترة من حياته أثناء عمله كاتبا بمجلة الإذاعة والتليفزيون تخصص في النقد الإذاعي بوجهيه المسموع والمرئي، وكان إسهامه مهما لأنه التزم الأسلوب العلمي في التحليل والنقد بعيداً عن القفشات الصحفية والدردشة، فكان يكتب عن البرنامج الإذاعي كما يكتب عن الكتاب والفيلم السينمائي والديوان الشعري.

شلبي وفن البورتريه

ابتدع خيري شلبي في الصحافة المصرية لوناً من الكتابة الأدبية كان موجوداً من قبل في الصحافة العالمية ولكنه أحياه وقدّم فيه إسهاما كبيرا اشتهر به بين القراء، وهو فن البورتريه، حيث يرسم القلم صورة دقيقة لوجه من الوجوه تترسم ملامحه الخارجية والداخلية، إضافة إلى التكريس الفني للنموذج المراد إبرازه، وقدّم في فن البورتريه مائتين وخمسين شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية، على امتداد ثلاثة أجيال، من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات إلى جيل الستينيات، وقد صدر من هذه الشخصيات ثلاثة كتب هي:

1. اعيان مصر.
2. صحبة العشاق.
3. فرسان الضحك.

أمير الروائيين الصعاليك

هذه مقولة صاحب نوبل الروائى والكاتب المصرى نجيب محفوظ عن خيرى شلبى، ذلك الاسم الذى شخص صاحبه المادة وحولها إلى كائن حي، يعيش ويخضع للمتغيرات المحيطة بها وتؤثر وتتأثر وعلى لسانه، وبقلمه جعل الطير والشجر والحيوانات والحشرات وكل ما يدب على الأرض يتحدث فهو يصل بالواقع إلى مستوى الأسطورة، ونلمس ذلك فى رواية «بغلة العرش» و «السنيورة» و «الشطار» حيث يتحول الواقع إلى الأسطورة وفى الوقت نفسه تصل الأسطورة إلى الواقع.

تأثير الحياة الريفية على كتاباته

التأثير البيئي: عكست العديد من أعمال خيري شلبي البيئة الريفية التي نشأ فيها، حيث كان يجسد تفاصيل الحياة الريفية المصرية بكل ما تحمله من بساطة وصعوبات، تأثرت كتاباته بالمناخ الاجتماعي والثقافي للريف، مما أضفى على أعماله طابعًا خاصًا وجعلها قريبة من قراء الريف والمدينة على حد سواء.

تصوير الفقراء والمهمشين: أظهر "شلبي" تعاطفه الكبير مع الفقراء والمهمشين في المجتمع المصري، حيث كان يصور معاناتهم وأحلامهم وطموحاتهم، كما تمكن من تقديم شخصيات تعيش في هامش المجتمع ولكنها مليئة بالحياة والتجارب الإنسانية العميقة.

تأثير خيري شلبي على الأدب العربي

كان لخيري شلبي تأثير كبير على الأدب العربي، حيث تميز بأسلوبه الفريد في السرد والوصف، واعتمد في أعماله على اللغة البسيطة والأسلوب الواقعي، مما جعله قريبًا من القراء العاديين، كانت كتاباته دائمًا مليئة بالحياة وتفاصيل الواقع المصري، مما جعله واحدًا من الأدباء القلائل الذين استطاعوا أن يعبروا عن نبض الشارع المصري.

تحليل شامل لرواية الشطار لـ خيري شلبي 

تعدّ هذه الرواية من أهم رويات الأدب المصري، حيث تجري أحداثها مع كلب يحكي لنا عن قصة تشرد بعد تخلي صاحب عنه، فقد عاد كلب شوارع يجوب الأحياء والطرقات، بعد أن كان له مأوى في قهوة صاحبه.

الكلب يتحدث

نرى في الرواية أن الكلب يتحدث عن معاناته مع بني البشر وغدرهم الدائم، حيث يصفهم بأنهم الذئاب والثعالب الحقيقية، فقد قتلوا أمّه وهو جرو صغير، فثبت في نفسه الكره والحقد لهم، حتى صار يصفهم ببني الأزرق، ولعل هذه التسمية جاءت من كتاب يُقرأ في القهوة، يحكي عن القصص الشعبية وبطولات الفرسان، فسماهم الكلب نسبةً له. 

من النهاية

الناظر لهذه الرواية يجد أنها تبدأ من النهاية، فالكلب يحكي لنا ما آل إليه مصيره بعد فقدان صاحبه، ومن ثمّ نجد أنّ الكلب يعود بالزمن ليحكي لنا قصة صاحبه كحكوح الذي كان يبيع بعض المخدرات، ونرى أنّ هذا الكلب الرامي كان يرافقه إلى أماكن تعاطيها وبيعها، ويصف لنا أنه كان مثقفًا محافظاً على قراءة الجرائد يوميًا على الرغم من تجارته للخمور والمخدرات.

حبكة رواية الشطار

الحبكة في رواية الشطار تتلخص في قضية انتشار آفة المخدرات داخل المجتمع المصري، وكيف أنّ هؤلاء التجار تحكموا في غير قليل من مرافق البلاد، فالشطّار لا يقصد بهم الكاتب الأذكياء بالمعنى الطيب، وإنما نراه يقصد هؤلاء التجار والفاسدين الذي تحكموا بهذه التجارة، ووجهوها إلى حيث يجدون فيها ثروتهم، فالشطار أخذت معناها من المدلول القديم، والتي تدل على اللصوص والمحتالين، فالكاتب يسلط الضوء على هذه الفئة من المجتمع المصري التي عاثت فسادًا به.

قضية المخدرات 

يسيطر على رواية الشطار وموضوعات ومشكلات اجتماعية سادت في المجتمع المصري، لا سيما قضية المخدرات التي يصفها لنا الكلب بحذافيرها، وكيفية بيعها وتعاطيها.بالإضافة إلى قضية الكدية أو التسول، والتي لم تكن أكثر من كونها مهنة احترفها بعض الناس في ذلك المجتمع، ونرى أنّ الكلب يسرد لنا بتعجب عن كون هؤلاء المتسولين يكنزون المال ويستعملونه في تجارة المخدرات حتى أنّ أحد أهم الشحاذين في الحي عندما تاب عن تجارة المخدرات والتسول اشترى ثلاث عمارات متجاورة في وسط العاصمة.

المكان والزمان 

إن المتأمل في هذه الرواية يجد أنّها تدور أحداثها في ضواحي مدينة القاهرة في أحد الأحياء الشعبية التي انتشرت فيها جميع أنواع اأفات المجتمعية، فكان المكان في هذه الرواية مكانًا طاردًا يثير الخوف، ويدفع إلى النفور، منه، أمّا الزمان فنرى أنّ الكاتب كان يراوح بين استعمال التقنيات الزمنية، فكان يستعمل الاسترجاع، ثم يعود للزمن الحاضر

الراوي

المتأمل لهذه الرواية، والمتتبع لأحداثها يجد أنّ الراوي فيها، والممسك براوبط السرد هو الكلب، فالكلب يحتل موقع الراوي العلي، الذي يحكي لنا الأحداث من نظرة فوقية، وكأنّه يعلم بكل شيء، وبكل حدث يحصل، فهو قد عاصر كافة الأحداث، واطلع على بني البشر وتعاملاتهم مع بعضهم وسلوكهم من الخارج، فرصد معيشته والتناقضات التي يعيشونها، فيذكر أنهم على الرغم من فقرهم كانوا أغنياء، فهم يبذخون أموالهم على الجرائد والتعاطي.نراهم أيضًا ينهون عن كثير من المحرمات، ومن ثم يأتون إلى قهوة صاحبه فيعاقرونها، ويتعاطون المخدرات، ويدفعون أثماناً باهظة لها، ويقرؤون الجرائد ويستمعون إلى الموسيقا، فالكاتب من خلال توظيفه للكلب كراوٍ للأحداث نجده يحاول أن يأتي بزاوية رؤيا جديدة، تراقب أدق التفاصيل في الحياة البشرية، وترصد سلوكها الغريب، والقيم التي يُتغنى بها لكن دون الأخذ والعمل بها، فالبشر في نظر الكلب كائنات عدائية متناقضة.

اقتباسات وأقوال خيري شلبي 

• فأفندينا ليس كالخواجة إنما هو موحد بالله مثلكم ويخافه ويخشى عذاب يوم القيامة (أغنية للقمر الغائب).
• الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ إذ هو يضعك مباشرة في قلب الفعل الحيوي دون مقدمات يحيلك إلي طرف أصيل في الفعل الفني الذي يبدأ تحلقه بمجرد وقوع بصرك على السطر الأول (وناس).
• الدنيا ثوب قديم نعيد نسجه من جديد، ولكنه صائر حتمًا إلى مزق! (العراوي).
• سر النجاح هو الأدب حتى لو كان أدبا مزيفا لا أصل له ولا فصل - (أولنا ولد).
• محض مجنون تم تسييحه وصبه فى قالب فكرة لا يعرف غيرها لا يرى ولا يسمع دونها (نسف الادمغة).
• إن العيب لا يمكن مداراته بدق شاكوش أو ثقل صبغة، يظل العيب لوزة منتفخة في الجنب كدمل قبيح أو غرزًا تبدو خيوطها محفورة في النفس (الوتد)
• في أروقة النكت العميقة الذكية طيبة قلب أهلنا وخصوبة خيال الشعب المصري المستمدة من روحه الحضارية الأصيلة (بغلة العرش).
• إن العالم الثالث مليء بالثروات الطبيعية إلا أنه للأسف لا يعرفها! وإن عرفها لا يدرك قيمتها! وإن أدرك قيمتها لا يحسن إدارتها! المصببة أنه لا بد للغرب الاستعماري من أن يكشف له عن هذه الثروة أولًا! (بغلة العرش).
• والإنسان ذو العقل المخرب يكون هناك بصيص من أمل في تعمير عقله؛ أما الإنسان المدمر الكرامة فهو الشر بعينه ولا رجاء في إصلاحه (بغلة العرش).
• إن الإنسان لا يقلق فوق أي بقعة في أرض مصر لأنها مسكونة بالأرواح، وكلها أرواح ذات تاريخ، ولا بد أن تطلع عليك لتحكي لك المزيد من الأسرار المروعة، وتسليك وتطيب خاطرك الثائر حتى ليصبح الإنسان من فرط الحذر بالحكمة غير راغب في أي ثورة (بغلة العرش).
• وجدتني أضحك من الأعماق ضحكًا ساخرًا، فالزُّعر والحرافيش الذين طالما ندد الجبرتي بسلوكياتهم الخرقاء، قد انتقموا منه الآن شر انتقام! (بطن البقرة).
• الأمكنة كالبشر، تخضع للميلاد والموت، كما تخضع لعوامل التألق وعوامل الاضمحلال حسبما ينطوي عليه باطنها من مواهب وإمكانات (بطن البقرة).
• إن الغرام الأسمى في حياة الفلاح هو غرامه بالأرض، يتزوجها بمعنى الكلمة، ينجبان معا صبيان وبنات وحقول خضراء وحدائق يانعة (زهرة الخشخاش).
• يقول صالح هيصة بطل الرواية: «ربنا خلق الدنيا هيصة! وخلق فيها بني آدم هيصة! كل واحد في هيصة! بيعمل هيصة! عشان يلحق الهيصة، ويا يلحق يا ما يلحقش! وكلهم كحيانين! بس كل واحد كحيان بطريقة! وأنا ملك الكحيانين! عشان كحيان بكل الطرق (صالح هيصة).
• يا أمي! إننا جميعا متهمون! معذبون بصوت المظلوم! و من مصلحتنا جميعا أن يظهر الجاني الحقيقي ليأخذ جزاءه! (إسطاطية).
• إن محكمة الله أعدل! ليس يفلت منها أحد! .. و ... صدقني يا ولدي! سوف أبشرك عما قريب بنتائج محكمة الله! لن نرى المحكمة لكننا سنرى نتائجها رأي العين! (إسطاطية).
• كلهم اصبحوا دعاة بقدرة قادر لأن سوق الدعاة قد جبر.(إسطاطية).
• إنما نحن، إذا مالت رؤوسنا فرقابنا مرفوعة، لأنها مامالت الا للبذر و السقيا .. أماانتم فأعطيتم الظهور بينما الرقاب منكسه .. و يعلم الله ماذا يفعل الواقفون خلف ذوي الرقاب المنكسة (الأوباش)
• ولا أسلحة تقليدية! كله ضرب تحت الحزام! هذه الفوضى الاقتصادية وهذه الانهيارات الخلقية هي الأسلحة التي ستنتشر بصورة مفزعة! لا تأمل في أي ثورة أو أي إصلاح لأن حجم المستفيدين من الفساد رهيب! ومن يقع عليهم الظلم قد فقدوا الإحساس (موت عباءة).
• إن الانسان لا يمكن ان يكون شريفًا داخل محيط من الفساد والفسق، الشرف لايمكن أن يكون فردياً بأى حال من الأحوال، حتى لو تحلى به الإنسان و اعتنقه، فالشرف كما يبدو لي الآن؛ لا يتحقق بالاختيار فقط ولا بالممارسة فحسب و إلا فأنا شريك بالصمت في هذه الجريمة (وكالة عطية).
• أنا و أخواني نعرف لعبة الحكم و السياسة في بلادنا، إنها أربح تجارة في مصر و سرقة مشروعة غير أنها تحتاج شعارات و دعايات و أونطة زائدة، كنا بالأمس لصوصًا صغارًا يسرقون الأفراد في جنح الظلام سرقات صغيرة، أما الآن فقد انضممنا إلى صف الكبار، لنسرق شعبًا بأكمله في وضح النهار، تحت حصانة قانونية و بموافقة المعتدي عليهم! (ثلاثية الأمالي).
• ولا أظن أن أحدًا يمارى فى أن مجتمعنا لا يطلب منك شروطًا على الإطلاق لكى تصبح أحد أثريائه فى شهور قليلة، أو أحد ملوكه أو رؤسائه فى قفزة واحدة يصبح من حقك أن تتحدى كل شيء وتحصل على كل شيء (ثلاثية الأمالي).
• إن المصرى الذى أنشأ هذه الأهرامات وهذه المساجد وهذه الكنائس وهذه الفدادين الزراعية وركب فوق النيل أمسك بلجامه لقادر على ردع كل متغطرس مزهو بقوته (ثلاثية الأمالي).
• ليست فضيلة الصبر وحدها ما يميز المصري، إنه ليس الصبر على احتمال البلاء، بل هو الصبر على مداومة العلاج، غير أن دود الجروح المتجددة على الدوام أكثر صبرًا من المصري، فهي تحتمل علاجه بصبر عبقري وتقاومه حتى لتفقده العقل (رحلة الطرشجي الحلوجي).
• لقد ربيتموهم على عدم الاكتناز واكتنزتم، فامتلأت خزائنكم بأطنان المعادن، وامتلأت صدورهم بالقيم النفيسة (رحلة الطرشجي الحلوجي).
• لكن سوق الحياة عامة، وسوق السمك بخاصة، علمني أن اقتحام الناس لا يعجل بالصداقة بل قد يؤجلها ويؤخرها وربما ينفيها تمامً (عم احمد السماك).
• استغن عن الشئ تكن نده، واطلب الشيء تكن عبده (الشطار).

الجوائز والتكريمات

حصل خيري شلبي على العديد من الجوائز الأدبية تقديرًا لأعماله وإسهاماته في الأدب العربي، منها:

• حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980- 1981.
• حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980 – 1981.
• حصل على جائزة أفضل رواية عربية عن رواية «وكالة عطية» 1993.
• حصل على الجائزة الأولى لإتحاد الكتاب للتفوق عام 2002.
• حصل على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن رواية وكالة عطية 2003.
• حصل على جائزة أفضل كتاب عربي من معرض القاهرة للكتاب عن رواية صهاريج اللؤلؤ 2002.
• حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2005.
• رشحته مؤسسة «إمباسادورز» الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب.
• تولى رئاسة تحرير مجلة الشعر (وزارة الإعلام) لعدة سنوات.
• تولى حتى رحيله رئاسة تحرير سلسلة: مكتبة الدراسات الشعبية الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (وزارة الثقافة).

كما تم تكريم خيري شلبي بعد وفاته من خلال إنشاء مكتبات ومتاحف تحمل اسمه، وتضم أعماله الأدبية ومقتنياته الشخصية، وتسهم هذه المؤسسات في حفظ إرثه الأدبي وتقديمه للأجيال القادمة.

كما تناولت العديد من الدراسات الأكاديمية أعمال خيري شلبى، حيث تم تحليل رواياته وقصصه من زوايا مختلفة، ركزت هذه الدراسات على أسلوبه الواقعي وقدرته على تصوير الحياة المصرية بصدق وعمق.

تأثيره وإرثه

أثرت أعمال خيري شلبي على العديد من الكتاب والأدباء الشباب، حيث استلهموا من أسلوبه الواقعي والبسيط في السرد، يعتبر شلبي مدرسة أدبية في حد ذاته، حيث قدم نموذجًا يحتذى به في كيفية الكتابة عن الحياة اليومية بلغة أدبية راقية.

ترك خيري شلبى إرثًا أدبيًا غنيًا يمتد عبر العديد من الروايات والمجموعات القصصية والمقالات، أثرت أعماله على جيل كامل من الكتاب والأدباء الشباب، حيث استلهموا من أسلوبه الواقعي والبسيط في السرد.

الخاتمة

خيري شلبي هو أديب مصري فذ، ترك بصمة لا تمحى في الأدب العربي من خلال أعماله التي تعكس حياة الفقراء والمهمشين بواقعية وبساطة. أثره الأدبي يتجلى في أسلوبه الفريد وقدرته على نقل تجارب الحياة اليومية بصدق وعمق، ولا تزال أعماله الأدبية مصدر إلهام للكثير من الكتاب والقراء، فكان رحمة الله عليه صاحب مكانة عظيمة في تاريخ الأدب العربي.

اقرأ أيضاً عبد الوهاب مطاوع - الإنسان صاحب القلم الرحيم