مراحل كتابة السيناريو: الموضوع والرسالة – العمود الفقري لأي سيناريو ناجح

بعد أن تحدثنا في المقال السابق عن الشرارة الأولى وولادة أفكار السيناريو، ننتقل الآن إلى المرحلة التالية من مراحل كتابة السيناريو، وهي مرحلة: الموضوع والرسالة.. فإذا كانت الفكرة هي البذرة، فإن الموضوع هو الجذع، والرسالة هي الثمرة، وبدون موضوع واضح ورسالة عميقة، يظل السيناريو مجرد حكاية سطحية قد تثير الاهتمام للحظات، لكنها لن تترك الأثر الباقي الذي يميز الأفلام العظيمة.

أولاً: ما الفرق بين الفكرة والموضوع والرسالة في مراحل كتابة السيناريو؟

الخلط بين هذه المفاهيم شائع لدى كثير من الكُتاب المبتدئين، لكن التمييز بينها ضروري لفهم بناء السيناريو:

  • الفكرة (Idea): هي الشرارة الأولى، الإجابة على سؤال "عن ماذا تدور القصة؟".

➝ مثال: "رجل يعيش نفس اليوم مرارًا وتكرارًا" (فيلم Groundhog Day).

  • الموضوع (Theme): هو السؤال الفلسفي أو القضية الإنسانية الأعمق التي يعالجها الفيلم.

➝ في المثال نفسه، الموضوع هو: "هل يمكن للإنسان أن يتغير عندما يواجه نفسه وحياته مرارًا؟"

  • الرسالة (Message): هي الخلاصة أو الرؤية التي يريد الفيلم إيصالها للجمهور بعد انتهاء العرض.

➝ رسالة Groundhog Day: "التغيير الداخلي والبحث عن المعنى هو ما يمنح الحياة قيمتها."

📝 إذن الخلاصة:

  • الفكرة = القشرة الخارجية.
  • الموضوع = العمود الفقري.
  • الرسالة = القلب الذي ينبض في العمل.


فيلم Groundhog Day - مراحل كتابة السيناريو
فيلم Groundhog Day - مراحل كتابة السيناريو 


ثانياً: لماذا الموضوع والرسالة هما العمود الفقري للسيناريو؟

1. يوجهان القصة: الموضوع والرسالة يمنحان الكاتب بوصلة يتجه بها في كل مشهد.

2. يبنيان العمق: حتى قصة بسيطة (كقصة حب أو انتقام) تصبح ذات قيمة عندما تعالج موضوعًا إنسانيًا عميقًا مثل الغفران أو الحرية.

3. يربطان الجمهور: المشاهد قد ينسى التفاصيل السردية، لكنه يتذكر الإحساس العاطفي أو الفكرة التي وصلته من الفيلم.

4. يصنعان الخلود: الأفلام التي تملك رسالة إنسانية خالدة تبقى حية لأجيال، مثل The Godfather الذي يناقش موضوع السلطة والعائلة والفساد.


فيلم The God Father - مراحل كتابة السيناريو
فيلم The God Father - مراحل كتابة السيناريو 


🎬 يقول ستانلي كوبريك (مخرج وسيناريست ومنتج أمريكي (1928–1999)، أحد أهم مخرجي السينما في القرن العشرين، تميّزت أعماله بالعمق الفلسفي والدقة البصرية والتقنية العالية، كما عُرف بصرامته الكاملة في التحكم بكل تفاصيل الفيلم):

"إذا استطاع الفيلم أن يقول لك شيئًا عن نفسك أو عن حياتك، فقد نجح."

ثالثاً: كيف تحدد الموضوع والرسالة في سيناريوك؟

1. ارجع إلى نفسك: اسأل نفسك: ما القضية أو الفكرة التي تؤرقني حقًا؟ ما السؤال الذي لا أجد له إجابة؟ كثير من أعظم السيناريوهات ولدت من أسئلة شخصية مؤرقة.

2. ابحث عن الجذر المشترك: انظر في قصتك وابحث عن "الخيط الأحمر" الذي يربط أحداثها.. هل هو الحب؟ الخوف من الموت؟ الطموح؟ التضحية؟

3. اختبر الموضوع عالميًا: هل يمكن أن يتواصل الجمهور في ثقافات مختلفة مع هذا الموضوع؟ الموضوعات الكبرى (الحب، العدالة، الحرية، السلطة) عابرة للحدود.

4. صغ الرسالة ببساطة: لا تجعل الرسالة شعارًا مباشرًا، بل اجعلها تظهر من خلال الشخصيات والأحداث. الرسالة القوية هي التي "يكتشفها المشاهد" لا التي "تُملى عليه".

رابعاً: أمثلة عملية من السينما العالمية والمصرية

فيلم The Pursuit of Happyness (2006):

  • الفكرة: رجل فقير يكافح لتأمين حياة أفضل لابنه.
  • الموضوع: الصراع بين الإصرار واليأس.
  • الرسالة: "لا تستسلم، حتى في أحلك الظروف، فالأمل هو ما يصنع المستقبل."

The Pursuit of Happyness فيلم
 The Pursuit of Happyness فيلم


فيلم Parasite (2019):

  • الفكرة: عائلة فقيرة تتسلل للعمل عند عائلة غنية.
  • الموضوع: الصراع الطبقي والظلم الاجتماعي.
  • الرسالة: "الفجوة بين الطبقات ليست مجرد مال، بل نظام كامل من التفاوت."

فيلم Parasite
فيلم Parasite 


فيلم مصري – الكيت كات (1991):

  • الفكرة: رجل كفيف يعيش في حي شعبي ويبحث عن معنى لحياته.
  • الموضوع: الحرمان والحلم الإنساني.
  • الرسالة: "حتى في أقسى الظروف، يظل الحلم حقًا إنسانيًا لا يُنتزع."

فيلم الكيت كات
فيلم الكيت كات 


خامساً: أخطاء يقع فيها الكُتّاب المبتدئون

1. الخلط بين الموضوع والرسالة: البعض يكتب موضوعًا عظيمًا لكنه لا يحدد رسالته، فينتهي الفيلم بلا روح.

2. المباشرة الزائدة: تحويل الرسالة إلى خطبة أو شعار يجعل الفيلم يبدو مفتعلاً.

3. تعدد الرسائل: محاولة تمرير عدة رسائل متناقضة يربك الجمهور ويفقد الفيلم تركيزه.

4. إغفال العمق: الاكتفاء بالسطح (الحبكة والأحداث) دون طرح سؤال فلسفي أو إنساني.

نصائح عملية لكاتب السيناريو

  • اسأل نفسك دائمًا قبل كتابة أي مشهد: هل يخدم هذا الموضوع الذي اخترته؟
  • حاول تلخيص رسالتك في جملة واحدة، ثم اجعل كل أحداث الفيلم تقود إليها بشكل طبيعي.
  • استعن بمقولة الكاتب الأمريكي روبرت ماكي: 
"القصة الجيدة لا تعطيك الإجابة، بل تجعلك تبحث عنها."

اقرأ نصوصًا لكتاب كبار (مثل وودي آلن أو كريستوفر نولان أو وحيد حامد) ولاحظ كيف تُبنى رسائلهم بشكل خفي لكنه قوي.

ختامًا، إذا كانت أفكار السيناريو هي الشرارة الأولى، فإن الموضوع والرسالة هما اللهب الذي يمنحها النور والدفء، فالسينما ليست مجرد حكاية مسلية، بل وسيلة لفهم العالم ومخاطبة أعماق الإنسان.

تذكر دائمًا: قد يخرج المشاهد من قاعة السينما وقد نسي الحوار أو التفاصيل، لكنه لا ينسى أبدًا الشعور والفكرة التي لمسته.

🔜 في المقال الثالث من السلسلة سنتناول: "الشخصيات – الروح التي تنبض في السيناريو"، وكيفية بناء شخصيات واقعية ومعقدة تعيش في ذهن الجمهور طويلاً.

اقرأ أيضاً: 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال