أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارًا بتعيين الكاتب والروائي والسيناريست أحمد مراد نائبًا في مجلس الشيوخ لعام 2025، وهي خطوة أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط الثقافية والإعلامية، إذ يحمل هذا التعيين دلالة رمزية مهمة: أن الدولة تعترف بدور الأدب والفن كعناصر فاعلة في تشكيل الوعي الاجتماعي وبناء الهوية الوطنية.
![]() |
| أحمد مراد |
في هذا المقال نقدم قراءة موسّعة ومُحدّثة لمسيرة أحمد مراد؛ من نشأته وبداياته البصرية في المعهد العالي للسينما، مرورًا بأعماله الروائية البارزة، وصولًا إلى تجربته في السينما وكتابة السيناريو، مع محاولة رصد انعكاسات هذا الانتقال من فضاء الإبداع إلى فضاء القرار، وتوقُّعات لما يمكن أن يضيفه مراد إلى المشهد التشريعي والثقافي على حد سواء،
التعيين في مجلس الشيوخ 2025
قرار تعيين أحمد مراد في مجلس الشيوخ 2025 لا يمكن اعتباره مجرد خطوة تشريفية أو رمزية، بل هو رسالة عميقة المعنى تؤكد أن الثقافة ليست بعيدة عن دوائر صنع القرار، وأن الكلمة قادرة على أن تجلس إلى جوار القانون لتسهم في صياغة مستقبل المجتمع.
كما أن وجود كاتب وروائي بحجم أحمد مراد تحت قبة الشيوخ يمثل انتصارًا للقوى الناعمة المصرية، التي طالما كان لها دورها في تشكيل الوعي العام وصناعة الهوية الوطنية، فالأدب بقدرته على النفاذ إلى أعماق الإنسان، يُعد أحد أكثر أدوات التأثير فاعلية، وعندما يجد له موقعًا داخل المؤسسة التشريعية، يصبح ذلك دليلاً على نضج الدولة في فهمها لقيمة الثقافة بوصفها جناحًا مكملاً للسياسة والاقتصاد.
الواقع أن هذا القرار يعكس رؤية متقدمة ترى في الكاتب المبدع شريكًا في بناء الوعي الجمعي، وصوتًا يعبر عن نبض المجتمع داخل قاعات الحوار والتشريع، لتتحول الثقافة من هامشٍ جمالي إلى قوة اقتراح وفعل حقيقي في مسار التنمية الوطنية.
أول تصريح لأحمد مراد بعد التعيين
عقب صدور قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيينه عضوًا في مجلس الشيوخ، عبّر الكاتب والروائي أحمد مراد عن امتنانه العميق لهذه الثقة الرئاسية الغالية، مؤكدًا أن اختياره لا يُعد تشريفًا فحسب، بل مسؤولية وطنية جسيمة يتعهد بأن يكون جديرًا بها.
وقال مراد عبر حسابه الرسمي:
"أتوجه بخالص الامتنان والتقدير إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ثقته الغالية باختياري عضوًا في مجلس الشيوخ المصري. وأدرك تمامًا أن هذا التكليف ليس تشريفًا فحسب، بل مسؤولية كبيرة أتعهد بأن أكون جديرًا بها، وأن أبذل ما في وسعي لأسهم بصدق في خدمة الوطن وقضاياه، مسترشدًا بثقة من أولوني إياها، ومخلصًا لما يتطلع إليه الوطن منا."
![]() |
| أحمد مراد |
في هذا السياق، تُطرح تساؤلات مشروعة:
• ما الذي يجعل أحمد مراد مناسبًا لهذه المهمة؟
• كيف سينقله الإنتاج الفني إلى الفعل العام؟
• وما هي التحديات التي قد تواجهه في هذا التحول؟
قبل أن نذهب إلى هذه التوقعات، دعنا نغص أولًا في حياته ومسيرته لنفهم المؤهلات التي قد يحملها إلى مجلس الشيوخ.
النشأة والتعليم
• وُلد أحمد مراد في القاهرة عام 1978، تحديداً في منطقة السيدة زينب، حسب ما ورد في سيرته الرسمية.
• تلقّى تعليمه الثانوي في مدرسة ليسيه الحرية – باب اللوق، وتخرّج منها عام 1996.
• بعد الثانوية، التحق بـ المعهد العالي للسينما في القاهرة، بقسم التصوير السينمائي، وتخرج عام 2001، محققًا المرتبة الأولى في دفعته في ذلك القسم.
• أثناء دراسته، أنجز مشاريع تخرج من أفلام قصيرة من بينها: «الهائمون» و«الثلاث ورقات»و«في اليوم السابع»، وحقّقت هذه الأفلام جوائز في مهرجانات دولية مثل إنجلترا وفرنسا وأوكرانيا.
من هذا النشوء، نرى منذ البداية أن مراد لم يبدأ حياته ككاتب، بل كفنان بصري – مهارة التصوير والتكوين المرئي لَهَا دور عميق في إنتاجه اللاحق.
المراحل الفنية المبكرة
بعد التخرج من المعهد، لم يتوقف مراد عند كونه مصورًا، بل وسّع مسيرته لتشمل مجالات إضافية:
• عمل كمصور محترف، بل شغل لفترة مصورًا شخصيًا للرئيس الأسبق حسني مبارك، ما يُظهر قدرته على التعامل مع المناحي البصرية في البيئات الرسمية.
• شارك في إنتاج وتصميم بعض الأعمال البصرية، وعُرف أيضًا بكونه مصمم أغلفة لبعض الأعمال الأدبية، مستفيدًا من خبرته في التصوير والتكوين البصري.
• في أكثر من حديث صحفي، أكد أحمد مراد أنه يعتمد في كتابته على الكلمات التي تُرى بالعين، وليس فقط التي تُقرأ بالقلب، لما لديه من تجربة بصرية عميقة.
هكذا، تشكلت عنده لغة بصرية مدمجة مع اللغة السردية وهو ما سيلاحظه القارئ في الروايات التي تتوزّع كما لو أنها مشاهد سينمائية تتداخل بين الداخل والخارج، بين الحال والمشهد.
“ڤيرتيجو” والانطلاقة الأدبية
بدأ أحمد مراد رحلته الروائية فعليًا في شتاء 2007، حين أصدر روايته الأولى «ڤيرتيجو»، وهي رواية من نوع الجريمة السياسية.
حول «ڤيرتيجو»
• نشرت الرواية في نفس العام من قِبل دار ميريت – القاهرة.
• تدور أحداثها حول مصور يعمل في أحد نوادي القاهرة الراقية، يشهد جريمة قتل تنقله إلى دهاليز الفساد والعلاقات الخفية بين رجال السلطة ورجال المال.
• ترجمت الرواية إلى عدة لغات: إلى الإنجليزية عن دار Bloomsbury، إلى الإيطالية عن دار Marsilio، وإلى الفرنسية عن Groupe Flammarion.
• في رمضان 2012، اُنتِج لها مسلسل تلفزيوني بنفس الاسم، بطلة العمل هند صبري.
• حصلت الرواية على جائزة البحر الأبيض المتوسط للثقافة عام 2013 من إيطاليا.
• تُعد «ڤيرتيجو» نقطة التحوّل الأولى التي قدمت لجمهور القارئ مرادًا مختلفًا كاتبًا لا يخشى مزج الغموض بالتحليل السياسي، ولا يخشى أن يضع الكاميرا الذهنية للقارئ داخل أروقة الفساد.
المسيرة الروائية والنتاج الأدبي المكثف
بعد «ڤيرتيجو»، واصل مراد إصدار رواياته بوتيرة منتظمة، وتنوّع في الأجناس الأدبية، من الإثارة إلى التاريخ إلى الخيال العلمي. إليك نظرة موسّعة على أبرز رواياته وأعماله:
العمل |
النوع |
سنة الصدور |
أبرز الملاحظات والتحويلات |
|---|---|---|---|
تراب الماس (Diamond Dust) |
رواية إثارة / بوليسية |
2010 |
تُرجمت إلى الإيطالية (عن دار Marsilio) والألمانية (عن دار Lenos Verlag السويسرية). تحولت إلى فيلم سينمائي عام 2018 من بطولة آسر ياسين ومنة شلبي، وسيناريو وحوار أحمد مراد نفسه، وإخراج مروان حامد. |
الفيل الأزرق (The Blue Elephant) |
نفسي / فانتازيا / رعب |
2012 |
من أكثر أعماله شهرة. اختيرت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2014. تحولت إلى فيلم ناجح عام 2014 بطولة كريم عبدالعزيز وطوالبة سيناريو وحوار مراد، إخراج مروان حامد. |
1919 |
إثارة تاريخية |
2014 |
تتركز الرواية في فترة الاحتلال البريطاني، وناقشت فكرة المقاومة والتحوّل الوطني. تحولت إلى فيلم بعنوان كيرة والجن بطولة كريم عبدالعزيز وأحمد عز، سيناريو وحوار أحمد مراد. |
أرض الإله (The Land of God) |
إثارة تاريخية |
2016 |
تدور أحداثها في مصر القديمة ما بين العصر الفرعوني والفترة الإغريقية في الإسكندرية. تُرجمت الرواية إلى الإنجليزية. |
موسم صيد الغزلان |
خيال علمي / فلسفي |
2017 |
رواية تتناول أسئلة الإنسان والعلم والهوية في سياق مستقبلي مفترض. |
لوكاندة بير الوطاويط |
غموض وتحقيقات |
2020 |
تدور حول قاتل متسلسل يعيش في القاهرة عام 1865، برؤية تاريخية وغموض مشوّق. |
القتل للمبتدئين |
نظري/تخصص فنّي |
2022 |
كتاب يشرح مبادئ كتابة السيناريو، ويحتوي على سيناريو الفيل الأزرق 2 كنموذج تطبيقي. |
إلى جانب هذه الأعمال، كتب مراد أيضًا السيناريو لبعض الأفلام التي أُنتجت أو خطط لها، مثل الأصليين الذي صيغ كمشروع سينمائي بدلاً من رواية.
ما يلفت النظر في إنتاج مراد الأدبي أنه ليس مجرد تراكم كميات، بل تراكم نوعي؛ التنوع في الأجناس، التجريب في السرد، المزج بين الماضي والمستقبل، وبين السياسة والخيال، وبين الفن والرؤية.
الخصائص المميزة في أسلوبه الأدبي
من خلال متابعة أعمال مراد، يمكن تحديد عدد من السمات البارزة التي تكررت عبر رواياته:
"في الإطار الروائي أكون قادرًا على تصوير المشاعر … أما في السيناريو فيجب أن أكتب ما تراه العين"
البنية السينمائية البصرية
لكونه مصورًا سينمائيًا، يمتلك مراد قدرة على تصوير المشاهد في الذهن كما لو أنها مشاهد سينمائية تُعرض أمام العين، وليس مجرد كلمات تُقرأ.
الجريمة أو الغموض كمدخل فكري
كثير من رواياته تبدأ بجريمة أو لغز، لكنها لا تبقى في السطح، بل تغوص بنا نحو الأسئلة الكبرى: السلطة، الفساد، التاريخ، الهوية، النفس.
• المزج بين الواقع والخيال: في أعمال مثل الفيل الأزرق وأرض الإله يدمج بين الأحداث الواقعية والافتراضات الغرائبية، ما يتيح له طرح قضايا جوهرية باستخدام رموز وسرد متعدد المستويات.
• الاعتماد على التوثيق والبحث: في الروايات التاريخية، يولي مراد أهمية كبيرة لصياغة المكان والزمان بدقة، كما لو كان باحثًا مؤرخًا، حتى إذا دخل في عناصر خيالية.
• التقارب بين الأدب والسينما: غالبًا ما تكتب رواياته بطريقة تشبه النص السينمائي، أو تتحول فيما بعد إلى أعمال سينمائية ذات جودة فنية عالية، ما يكسبه جسرًا بين القراء ومتذوقي الأفلام.
أبرز الجوائز والتكريمات
خلال مسيرته، حاز مراد على تقدير رسمي وشعبي في آن واحد:
• جائزة البحر الأبيض المتوسط للثقافة عام 2013 عن رواية ڤيرتيجو.
• جائزة أفضل كتاب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2013 عن رواية الفيل الأزرق.
• الترشح للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2014 عن الفيل الأزرق.
• جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2018، عن مجمل أعماله.
تُعد هذه الجوائز اعترافًا رسميًا بمكانته الأدبية، لكنها لا تساوي تقدير الجمهور الذي رافق أعماله على مدى سنوات، وميزها بأن تُترجم وتُحوّل إلى عمل بصري.
آراءه وتصريحاته المعروفة
في أكثر من مقابلة، عبّر أحمد مراد عن رؤيته لكتابة الرواية والسيناريو؛
ومن أهم تصريحاته:
• “أقدّم ما يهم القرّاء ولا أرد على الانتقادات.”
• كما أعلن أنه يعمل على جزء ثالث من «الفيل الأزرق» ومشروعات روائية وسينمائية أخرى.
• من وجهة نظره، الفرق بين الرواية والسيناريو كبير، رغم أن كلاهما «يحكي حكاية»، لكنه يرى أن الرواية هي الحكاية من الداخل، بينما السيناريو هو الحكاية التي تُروى بالعين.
• في إحدى المداخلات الإعلامية، علّق على جدل حول أعماله مثل كيرة والجن، وأشار إلى أن النقد واجب، وأن هدفه دائمًا أن يصل إلى الحقيقة الأدبية والفكرية.
هذه المواقف تبيّن غلبة النزاهة الفكرية عليه، ورغبته في أن يكون صانعًا، لا مجرد مستهلك.
بين الرواية والسينما.. انتقال الوعي من الورق إلى الصورة
لم يتوقف مراد عند حدود الورق، بل نقل عالمه السردي إلى الشاشة الكبيرة بجرأة ووعي بصري لافت، فحين كتب سيناريو الفيل الأزرق، لم يكن يقتبس نصّه فحسب، بل أعاد بناءه بصريًا ولغويًا، مزج بين الغموض النفسي والفانتازيا والواقعية القاتمة، مقدّمًا تجربة مغايرة للسينما المصرية السائدة.
وقد كرّر التجربة في تراب الماس و1919، مؤكدًا أن الأدب والسينما ليسا مجالين منفصلين، بل جبهتان متكاملتان في معركة الوعي. وهنا تكمن فرادته: فهو كاتب يدرك أن التأثير لا يتحقق بالكتاب فقط، بل بالصورة، وبقدرة الفن على أن يصبح لغة يتحدث بها الجميع.
الخيال كأداة للفهم الاجتماعي
في عالم أحمد مراد، الخيال ليس هروبًا من الواقع، بل وسيلة لقراءته. فهو يوظف الغموض والإثارة والجريمة لا لمجرد التشويق، بل لكشف ما يختبئ تحت السطح من أسئلة وجودية وسياسية.
في الفيل الأزرق مثلاً، يستخدم الجنون كرمز للاضطراب الداخلي في الإنسان المصري الحديث، وفي 1919 يعود إلى التاريخ ليكشف جذور المقاومة والهوية، وفي أرض الإله يفتح نافذة على التراث الفرعوني من منظور فلسفي معاصر.
كل عمل لديه يحمل بعدًا رمزيًا، يجعل القارئ يطرح أسئلة تتجاوز النص إلى الواقع: من نحن؟ وإلى أين نمضي؟
الكاتب بين السوق والثقافة
كثيرًا ما أثارت شهرة أحمد مراد نقاشًا بين النقاد حول العلاقة بين "الأدب الجماهيري" و"الأدب النخبوي"، غير أن تجربته أثبتت أن الشعبية لا تعني السطحية، بل يمكن أن تكون طريقًا لتوسيع دائرة الوعي، فهو أحد القلائل الذين استطاعوا الجمع بين الإقبال الجماهيري الواسع والعمق الفني في البناء السردي. وقد أعاد تعريف صورة الكاتب في مصر؛ إذ لم يعد الكاتب مُنعزل في برجه العاجي، بل صار فنانًا متصلاً بجمهوره، حاضرًا في الإعلام والسينما والمهرجانات الثقافية، مؤثرًا في الذوق العام ومشاركًا في صياغة النقاشات الفكرية.
من السرد إلى التشريع.. الثقافة في مقعد القرار
من الطبيعي إذن أن يصل أحمد مراد اليوم إلى مجلس الشيوخ، لا باعتباره مجرّد روائي، بل صوتًا للثقافة داخل مؤسسة القرار. فالأدب في جوهره قانون غير مكتوب، ينظّم العلاقة بين الإنسان والعالم، ويعيد تعريف معنى العدالة والحرية.
وجوده في المجلس يمكن أن يُسهم في بلورة سياسات ثقافية جديدة، مثل دعم الصناعات الإبداعية، وتشجيع القراءة، وإعادة هيكلة التعليم الثقافي في المدارس والجامعات، لتصبح الثقافة جزءًا من مشروع الدولة، لا مجرد نشاط ترفيهي.
ومن هنا يمكن القول إن تعيين أحمد مراد هو تحوّل نوعي في العلاقة بين المثقف والسلطة، يعيد للثقافة دورها كمكوّن أساسي من مكونات القوة الوطنية.
أحمد مراد ومفهوم الحداثة الأدبية
يُنظر إلى أحمد مراد كأحد الأصوات التي نقلت الأدب المصري إلى مرحلة جديدة من الحداثة الفنية، فأسلوبه يقوم على السرعة، والتقطيع السينمائي، والحوار المكثف، وتعدد وجهات النظر، وهي سمات تُعبّر عن عصر الصورة والمعلومة.
كما أن اختياره للموضوعات - من الفساد السياسي إلى الأزمات النفسية - يكشف عن وعيه العميق بتحديات الإنسان المعاصر، لقد نجح في أن يجعل الأدب المصري جزءًا من الحوار العربي والعالمي حول الحداثة والهوية.
الانتقادات والجدل
كما هو الحال مع أي كاتب برز في المشهد العام، تعرض أحمد مراد لانتقاد وجدل، جاء أبرزها فيما يلي:
• بعض النقاد رأوا أن رواياته تميل إلى السطحية في المعالجة في بعض الأحيان، أو أن التركيز البصري قد يخدم الإثارة أكثر من العمق.
• في رواية موسم صيد الغزلان - رواية خيال علمي - طالت بعض المواقف اتهامات بالتعدي على الثوابت الفكرية من قِبل بعض التيارات المحافظة، لكن ليس هناك تأكيد رسمي بجملة هذه الاتهامات.
• جدل حول من يقرأه، وأحيانًا يُطرح السؤال: هل هو كاتب مبدع أو كاتب تجاري؟ هذا الجدل هو ظاهرة ملازمة للكتاب الذين يتوسّعون إلى الجمهور.
بالمقابل، مراد في مقابلاته قال إنه لا يرد على كل الانتقادات، بل يُركّز على ما يهمّ القارئ ويخدم الإنتاج الفني.
توقعات دوره في مجلس الشيوخ
بناءً على هذه الخلفية، يمكن أن نرسم بعض التوقعات المعقولة لدور أحمد مراد في مجلس الشيوخ:
• دعم التشريعات الثقافية والفنية: من المرجّح أن يكون صوتًا مدافعًا عن حقوق الكُتّاب، الإبداع، الحوافز المالية للفن، حماية الملكية الفكرية، ودعم النشر والإنتاج الأدبي والفني.
• جسر بين المثقفين والدولة: يمكن أن يساهم في تقريب وجهات النظر بين الثقافة المستقلة ومؤسسات الدولة، بأن يكون وسيطًا يفهم كلا الجانبين: اللّب الثقافي والهيكل القانوني.
• طرح قضايا الشباب والإبداع الرقمي: بخبرته في الإنتاج المرئي والكتابة المعاصرة، قد يُقَدم رؤية تشريعية للتعامل مع النص الرقمية، النشر الإلكتروني، المحتوى البصري، وحرية التعبير في الفضاء الرقمي.
• التأثير الرمزي والمعنوي: حتى لو لم يكن دوره التشريعي كبيرًا من الناحية القانونية، فإن وجوده في المجلس يعطي رسالة رمزية: بأن الكلمة والإبداع لهما مكان في فضاء القرار.
لكن مع كل هذه التوقعات، لا بد من الإشارة إلى التحديات:
• تضارب الفعل الأدبي مع الأجندة السياسية: كيف سيوازن بين الحرية الإبداعية والانتماء المؤسسي؟
• الضغوط البرلمانية أو الحزبية: قد تُجاهِد قراراته أو مقترحاته.
• إمكانية الانسياق إلى الخطاب السياسي اليومي: ما قد يُبعده. عن المرتكز الإبداعي الذي جعله مميزًا.
الكاتِب والسياسي - فرصة ومسؤولية
ربما تكمن القيمة الأبرز في تجربة أحمد مراد الجديدة في أنه لا يدخل قاعة البرلمان من بوابة حزبية أو سياسية تقليدية، بل من بوابة الفكر والإبداع. فهو كاتب تشكّل وعيه على تماسّ مباشر مع الأسئلة الكبرى للمجتمع المصري - أسئلة الهوية والإنسان - واستطاع عبر أعماله أن يقدّم مرآة صادقة تعكس قلق هذا المجتمع وتحوّلاته. ومن ثمّ، فإن وجوده في مجلس الشيوخ يمثل انتقالًا من مساحة السرد الفني إلى فضاء الفعل التشريعي، حيث يمكن للأفكار أن تجد طريقها إلى أرض الواقع.
في زمنٍ تتقاطع فيه السياسة بالثقافة، ويصبح فيه الخطاب العام بحاجة إلى أصوات تملك الحس الإنساني والخيال الخصب، قد يكون وجود كاتب مثل أحمد مراد فرصة لاختبار قدرة الثقافة على المساهمة في صناعة القرار، فالرؤية التي تصنع رواية قادرة على أن تُسهم أيضًا في صياغة قانون، والخيال الذي يبني عوالم متخيلة قد يساعد في بناء واقع أكثر إنصافًا واتزانًا.
ولعل هذا التعيين يُقرأ مستقبلًا ليس باعتباره تكريمًا لشخص، بل كتحوّل رمزي في فلسفة الدولة تجاه المثقفين والأدباء؛ إذ يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الإبداع ليس زينة تُضاف إلى المشهد الوطني، بل هو أحد أعمدته الأصيلة، فالمجتمع الذي يضع الكلمة إلى جوار القرار، والخيال إلى جوار التشريع، هو مجتمع يخطو بثقة نحو حضارة أكثر نضجًا وإنسانية.
بهذا المعنى، يحمل أحمد مراد على عاتقه مسؤولية مزدوجة: أن يبقى كاتبًا صادقًا مع ذاته، وأن يكون في الوقت ذاته صوتًا للعقل الثقافي داخل قاعة القرار.
ختامًا، هذه التجربة الاستثنائية قد تفتح الباب أمام جيل جديد من المبدعين ليروا أن الإبداع لا يقف عند حدود الورق، بل يمكن أن يتحول إلى قوة فاعلة في بناء المستقبل، وقد أسعدني هذا القرار شخصيًا كأحد كُتّاب هذا العصر، إذ أراه انتصارًا للفكر والإبداع، ورسالة واضحة بأن الكلمة ما زالت قادرة على أن تجد طريقها إلى موقع التأثير وصنع القرار.
اقرأ أيضًا:
- أحمد مراد - الصفحة الرسمية
- مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بين الكلاسيكيات واكتشاف المواهب الجديدة: دورة 2025 الاستثنائية
- أكتوبر في عيون الأدب .. الجمعية المصرية لكتاب القصة والرواية تحتفل بانتصارات أكتوبر في مكتبة مصر العامة
- لازلو كراسناهور كاي يفوز بجائزة نوبل في الأدب 2025: سارد نهاية العالم بأسلوبه الفلسفي

