يعد فيلم التخشيبة (1984) أحد أبرز أفلام السينما المصرية في الثمانينيات، وقد أثار الكثير من النقاش حول قضايا العدالة الاجتماعية والتناقضات بين روح القانون ونصّه.
فيلم التخشيبة |
الفيلم من تأليف الكاتب الكبير وحيد حامد، وإخراج عاطف الطيب، وبطولة النجمة نبيلة عبيد. الفيلم مستوحى من حادثة حقيقية تعرض لها الكاتب السينمائي شريف المنباوي، والتي كانت نقطة الانطلاق لهذا العمل السينمائي الهام.
القصة والتأثير
تتناول أحداث فيلم التخشيبة مأساة بطلة تجد نفسها متورطة في قضية لم ترتكبها، في إطار يبرز الصراعات التي يواجهها الفرد أمام السلطة القانونية وضغوط المجتمع.. وحيد حامد استبدل في القصة الأصلية البطل من رجل إلى امرأة، وهو ما أضاف أبعادًا أعمق للقضية، حيث عالج نظرة المجتمع القاسية للمرأة إذا مست الاتهامات شرفها.يمثل الفيلم نموذجًا للسينما الاجتماعية الناقدة التي سلطت الضوء على الثغرات في النظام القانوني، حيث ناقش بشكل درامي كيف يمكن لقانون صُمم بنوايا حسنة أن يتحول إلى أداة للظلم إذا طُبق دون مراعاة روحه. كما أشار حامد إلى الأثر المدمر للشائعات، وكيف يمكن لكلام الناس أن يصبح قيدًا خانقًا على حياة المتهم، حتى لو كان بريئًا.
رأي وحيد حامد: بين الواقعية والدراما
تحدث وحيد حامد عن فيلم التخشيبة كإحدى المحطات المهمة في مسيرته، مشيدًا بالتعاون الأول مع المخرج الراحل عاطف الطيب، الذي قدم رؤية إخراجية بارعة تناغمت مع النص العميق.. كما أثنى على منتج الفيلم جلال زهرة، الذي وفر إمكانيات إنتاجية متميزة جعلت الفيلم يظهر بمستوى فني عالٍ مقارنة بأفلام تلك الفترة.يرى حامد أن التخشيبة يتبع منطق "قد يحدث هذا لك أيضًا"، مما يجعل المشاهد يشعر أنه معرض لنفس المصير طالما استمرت الظروف التي أفرزت المشكلة. هذا المنطق خلق حالة من التوتر والإثارة طوال الفيلم، وجعل الجمهور ينخرط عاطفيًا في معاناة البطلة.
قضية القانون والمجتمع
ناقش حامد دور القانون في حماية الأفراد، مشيرًا إلى أن بعض القوانين، رغم نواياها الطيبة، قد تتحول إلى عبء على الشرفاء إذا طُبقت بحرفيتها. وأكد على أهمية "روح القانون"، وهو المفهوم الذي يعبر عن الإنصاف والعدالة بعيدًا عن الجمود النصي.في فيلم التخشيبة ، تتنوع نماذج الضباط ووكلاء النيابة، فمنهم من يلتزم بحرفية القانون بشكل صارم، ومنهم من يتمتع بروح القانون ويدرك مأزق البطلة الإنساني. هذا التنوع يعكس الواقع المعقد الذي يعيش فيه المواطن العادي بين نصوص قانونية قاسية، وضغوط اجتماعية قاسية أحيانًا أكثر من القانون نفسه.
الشخصيات والصراعات
لعبت نبيلة عبيد دور البطلة بإتقان، حيث أظهرت الصراع الداخلي والخارجي الذي تعيشه المرأة المتهمة ظلمًا. كما أثار الفيلم جدلاً حول رد فعل زوج البطلة وشقيقها، اللذين تخلّيا عنها بسبب التهمة التي مست شرفهما.يرى حامد أن ردود أفعال كهذه متوقعة في سياق مجتمعات تعطي الأولوية لقضايا الشرف والعرض، وهو ما يعكس الواقع الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري.
البناء الدرامي والتشويق
اتسم السيناريو ببناء درامي متماسك قائم على سلسلة من لحظات الأمل الزائف، حيث كانت البطلة تحصل على بارقة أمل، ثم تواجه انهيارًا جديدًا، مما أضاف عنصر التشويق وشد انتباه المشاهد. هذه التقنية مستمدة من التراث الشعبي، حيث يواجه الأبطال صراعات متصاعدة تُبرز قوتهم وعمق مأساتهم.إرث الفيلم
فيلم التخشيبة ليس مجرد فيلم اجتماعي، بل هو شهادة فنية على قدرة السينما على مناقشة القضايا الحياتية بأسلوب درامي عميق وواقعي.استطاع وحيد حامد أن يقدم في هذا العمل رؤية نقدية متكاملة للعلاقة بين الفرد والقانون والمجتمع، وجعل المشاهد يعيد التفكير في مدى عدالة الأنظمة القانونية وتأثيرها على حياة الأفراد.
يظل فيلم التخشيبة حتى اليوم مرجعًا هامًا في السينما المصرية، يبرز عبقرية وحيد حامد كمؤلف قادر على نسج دراما تنبض بالواقعية والإنسانية.
اقرأ أيضاً:
- وحيد حامد - الكاتب والمبدع والأستاذ الذي أثرى السينما المصرية
- فيلم الغول - كيف صنع وحيد حامد شخصيات خالدة في أعماله؟
- فيلم طائر الليل الحزين - أولى إبداعات وحيد حامد السينمائية
- فيلم الإرهاب والكباب - نظرة شاملة
- الإنسان يعيش مرة واحدة - تحفة سينمائية تستحق المشاهدة
- وحيد حامد - سيد القلم وأيقونة السينما المصرية
- فتوات بولاق - فيلم بين النجاح الجماهيري وخيبة أمل وحيد حامد
- فيلم انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط لـ وحيد حامد: بين الاقتباس والابتكار
- وحيد حامد ورؤية جديدة لفيلم غريب في بيتي: بين الإبداع والانتقاد
التسميات
فن