يُعد فيلم غريب في بيتي (1982) من الأفلام الكوميدية التي تركت بصمة واضحة في السينما المصرية، ويعود جزء من نجاحه إلى رؤية الكاتب الكبير وحيد حامد الذي استطاع أن يُقدّم مادة سينمائية تحمل طابعًا خاصًا يمزج بين الكوميديا الشعبية والتناول الاجتماعي لقضايا عدة.
فيلم غريب في بيتي |
فيلم غريب في بيتي، الذي أخرجه سمير سيف، كان محاولة ناجحة في تقديم فكرة مسرحية أمريكية بأسلوب مصري محض، مما جعله واحدًا من الأعمال المميزة في مسيرة السينما المصرية.
القصة والفكرة
الفيلم مأخوذ عن مسرحية "فتاة الوداع" للمؤلف الأمريكي نيل سايمون، ويعتمد على فكرة بسيطة ولكنها عميقة؛ حيث تدور الأحداث حول شخصين يجبران على التعايش معًا في نفس الشقة رغم تباين شخصياتهم واختلاف طبائعهم.. بينما كانت المسرحية في الأصل تعتمد على شخصيتين في شقة صغيرة، كان وحيد حامد يسعى لتحويل الفكرة إلى عمل سينمائي يمكنه استيعاب عناصر الحياة المصرية والثقافة الشعبية.على الرغم من أن فيلم غريب في بيتي مقتبس من المسرحية، إلا أن وحيد حامد أضاف الكثير من اللمسات الشخصية التي جعلت العمل يبتعد عن النص الأصلي بشكل كبير، بينما احتفظ بالفكرة الجوهرية التي تدور حول التوتر الذي ينشأ بين الشخصيتين عندما يجبرهما القدر على التعايش معًا.
التأثر بالواقع المصري
واحدة من أبرز سمات فيلم غريب في بيتي هي القدرة على مزج العناصر الكوميدية بالواقع الاجتماعي المصري، ففي الفيلم، نجد أن الشخصية الرئيسية التي يلعبها نور الشريف، شحاتة أبو كف، هي لاعب كرة قدم شهير، وهو خيار يرتبط بشكل وثيق بالثقافة المصرية ويعكس وضعه الاجتماعي في المجتمع.., يُظهر هذا الاختيار شخصية اللاعب الذي يعاني من التحديات والصراعات الحياتية رغم كونه مشهورًا وناجحًا في مجال رياضته.أما في النص الأصلي، كان البطل شخصية موسيقية، ولكن حامد اختار أن يظل الفيلم مرتبطًا بالمجتمع المصري في تلك الحقبة من خلال جعل البطل لاعب كرة قدم.. وهذا التغيير كان له تأثير كبير في تقديم العمل بصورة محلية تحاكي الواقع، وتسمح للجمهور بالاتصال العاطفي مع البطل بشكل أسرع.
رؤية الكاتب وحيد حامد
في حديثه عن الفيلم، يشير وحيد حامد إلى طريقة عمله في كتابة النص، حيث يبدأ بتصور الفكرة كاملة، ثم يتجاوز النص الأصلي ليخلق رؤية خاصة به.. هذا ما جعل "غريب في بيتي" بعيدًا عن النص الأصلي، رغم التشابه في الفكرة. حامد يؤكد أن السيناريو لا يقتصر على النقل الحرفي، بل يُعتمد فيه على التجديد والإبداع الذي يعكس الواقع المحلي ويسمح بتقديم الشخصيات بشكل أكثر قربًا من الجمهور.الاختيار البصري والتفاصيل الفنية
من الجوانب اللافتة في الفيلم، تلك المشاهد التي صورها المخرج سمير سيف في داخل ملعب لكرة القدم، والتي كانت جديدة وغير مسبوقة في السينما المصرية وقتها. كما يُعتبر تعليق المعلق الرياضي الراحل محمد لطيف في مشاهد المباريات إضافة هامة، حيث أضاف طابعًا واقعيًا وحيويًا على المشاهد، حتى لو لم يتبع ما كتبه حامد في الحوار بشكل حرفي.كما أن السيناريو يدمج بين التوتر الكوميدي والمواقف اليومية التي قد تبدو غريبة أو غير متوقعة، مثل الصراع على التاكسي الذي ينتهي بلقاء غير متوقع في قسم الشرطة. وبدوره، يفسر وحيد حامد ذلك بأن الفكرة هي خلق مواقف كوميدية غير محكومة بالمنطق الصارم، بل تهدف إلى تقديم المتعة للمشاهد.
نهاية فيلم غريب في بيتي وتأثيرها الاجتماعي
النهاية في "غريب في بيتي" كانت مثيرة للجدل، حيث اختار وحيد حامد أن يُنهِي رحلة بطل الفيلم بالانتقال إلى نادي صغير بدلاً من احترافه في الخارج، وهو ما يتناسب مع التوجهات الاجتماعية السائدة في مصر في تلك الفترة.وحيد حامد يبرر هذه النهاية بتأثيرات ثقافة المرحلة، حيث كانت الوظيفة والأمان المالي يُعتبران أكثر قيمة من المغامرة أو الاغتراب في الخارج. كانت هذه النهاية تعبيرًا عن تفكير المجتمع في تلك الحقبة، وأسلوب حياة كان يفضل الاستقرار على المغامرة.
التعليق النقدي من سامي السلاموني
الناقد سامي السلاموني سخِر في وقتٍ من التترات التي أظهرت أن الفيلم مأخوذ عن المسرحية الأصلية، حيث اعتقد أن وحيد حامد قد اقتبسها من الفيلم الأمريكي الذي كان مأخوذًا بدوره عن المسرحية.. ورغم أنه قد يكون على صواب في بعض جزئيات نقده، إلا أن وحيد حامد يصر على أن المجهود في الكتابة كان مستقلًا عن الفيلم، بل كانت المراجعة والتطوير للفكرة بشكل يتماشى مع الجمهور المصري هو ما جعل الفيلم يأخذ طابعًا مميزًا.ختامًا، فيلم غريب في بيتي هو فيلم كوميدي يحمل في طياته الكثير من التأملات الاجتماعية، ويتجسد من خلاله الأسلوب الفريد للكاتب وحيد حامد في معالجة الموضوعات، وفي توازنه بين الكوميديا والدراما.. يعكس الفيلم إبداعًا فنيًا يربط بين الواقع المصري والسينما، ويُعتبر واحدًا من أهم أعمال السينما المصرية التي قدمت مزيجًا من الفكاهة والتأثير الثقافي، مع مسحة من الوعي الاجتماعي الذي يعكس قيم الحياة في مصر.
فيلم غريب في بيتي |
اقرأ أيضاً:
- وحيد حامد - الكاتب والمبدع والأستاذ الذي أثرى السينما المصرية
- فيلم الغول - كيف صنع وحيد حامد شخصيات خالدة في أعماله؟
- فيلم طائر الليل الحزين - أولى إبداعات وحيد حامد السينمائية
- فيلم الإرهاب والكباب - نظرة شاملة
- الإنسان يعيش مرة واحدة - تحفة سينمائية تستحق المشاهدة
- وحيد حامد - سيد القلم وأيقونة السينما المصرية
- فتوات بولاق - فيلم بين النجاح الجماهيري وخيبة أمل وحيد حامد
- فيلم انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط لـ وحيد حامد: بين الاقتباس والابتكار
التسميات
فن